نال هذا الكتاب شهرة واسعة فى العالم العربى من قديم شرقا وغربا وعكف عليه غير عالم يشرحه أو ينظمه شعرا ليسهل على الطلاب حفظ ما فيه، وعدّد بروكلمان فى ترجمته مخطوطاته ومخطوطات شروحه ونظمه، وطبع الكتاب فى عصرنا بالقاهرة وبيروت وحلب، ونسوق مثالا من صفحاته الأولى يوضح مدى أهميته والفائدة-أو الفوائد-اللغوية منه، يقول فى باب الصفات المحمودة فى الرّجال:
«الجواد: الرجل السخىّ، والخرق: الكريم، والخضمّ: الكثير العطية، والخضرم: الكثير الإنفاق، والأريحىّ: الذى يرتاح للعطاء، والحسيب: الكريم الآباء، والماجد: الشريف، والصّنديد: الرئيس العظيم وكذلك الهمام، والسميدع: السيد وكذلك الجحجاح والأريب:
العاقل، والحلاحل: الوقور، والمنجّذ الذى قد جرّب الأمور، والمدره: الذى يكون رأس القوم ولسانهم، واللّوذعىّ: الذكىّ القلب، والمصقع: البليغ اللسان، والسّرىّ: المرتفع القدر وجمعه سراة بفتح السين».
وتشهد هذه الألفاظ بأنه كان صاحب حسّ أدبى وذوق مرهف وذاكرة لاقطة، مما جعله يعرف كيف يختار فى كل باب من أبواب الكتاب من معاجم اللغة ومما حفظه من الشعر والنثر ألفاظا مصفّاة نقية من شوائب الغرابة والإغراب كما قال فى مقدمة الكتاب ومع تفسيرها بحيث تكون معانيها واضحة تمام الوضوح للشباب والأدباء حين يستخدمونها ويتلفظون بها، وهو ما دفع الناس-كما يقول القفطى-فى مصر والمغرب إلى الاشتغال بالكتاب والعناية بحفظ ما فيه من الكلم المتخيّر المستعذب.
وأما كتاب الأزمنة والأنواء فقد حققه ونشره الدكتور عزة حسن بدمشق سنة ١٩٦٤ للميلاد، ويقول ابن الأجدابي الطرابلسى فى مقدمته:«هذا كتاب مختصر أودعناه أبوابا حسنة فى علم الأزمنة وأساساتها، والفصول وأوقاتها، ومناظر النجوم وهيآتها، بأوضح ما أمكننا من التبيين، وبأسهل ما حضرنا من التقريب». والكتاب-كما يدل عنوانه-فى علم الفلك وما يتصل به من الكواكب وأوضاع الشمس والقمر على مدار العام والأمطار والرياح وتغير الفصول. والعرب منذ الجاهلية يعنون بهذا العلم لشدة حاجتهم لمعرفة مواقع النجوم فى ظلمات لياليهم الصحراوية الطويلة، حتى لكأنها المصابيح التى تهديهم فى سراهم ليلا فلا يضلون السبل، وقد أكثروا من التأليف فى هذا العلم منذ القرن الثانى الهجرى، ونقلوا عن الأمم القديمة: اليونانية والفارسية والهندية ما كتبوه فيه ومزجوه بمعارف العرب فى صور مختلفة. وكتاب ابن الأجدابي يكتظ بمعلومات طريفة، وقد استهله بحساب الأزمنة والسنين والشهور الشمسية عند الروم وغيرهم والقمرية عند العرب ثم يذكر الكواكب المشهورة ومواقعها فى القبّة الزرقاء والكواكب السيّارة فى السماء، ويتحدث عن بيان أزمنة السنة وبروج الشمس ومنازلها والرياح