للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى نحو ما كانت ليبيا تعنى بقراءات الذكر الحكيم كانت تعنى بتفسيره، وكان علماؤها يتلقون ما كتبه الطبرى وغيره من علماء المشرق ويعرضونه على الطلاب والناس، ومن كبار مفسريه بطرابلس مؤمن بن فرج الهوارى المذكور آنفا بين القراء، ومنهم أيضا محمد بن محمد الحطاب المتوفى سنة ٩٥٤ وله فى التفسير حاشية على تفسير البيضاوى، ويقال إنه حاول أن يكتب تفسيرا للقرآن وأنه مضى فيه حتى سورة الأعراف، ولم يكتب له أن يتمه، ومن مؤلفاته القرآنية كتاب فى تجويد القراءات أو فى علم تجويده. وكان يعاصره مفسر طرابلسى هو محمد بن على الخروبى المتوفى سنة ٩٦٣ وله تفسير تحتفظ به رفوف دار الكتب المصرية فى ثمانى مجلدات، سماه: «رياض الأزهار وكنز الأسرار» وكان صوفيا كبيرا وربما نزع فيه منزع المتصوفة فى تفسير الذكر الحكيم.

ولم تكن تقل عناية ليبيا بالحديث النبوى عن عنايتها بالتفسير للقرآن الكريم وقراءاته، ومن محدّثيها سعيد بن عباس من أهل مدينة سرت، توفى سنة ٢٠٠ للهجرة، وتشتهر بروايته وتدريسه بعض البيوت أو الأسر مثل أسرة أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم العجلى فى طرابلس المتوفى سنة ٢٦١ للهجرة، وكان يشبّه بأحمد بن حنبل فى كثرة ما يروى من الأحاديث، وكان ابناه عبد الله وصالح محدثين، وظلت أسرته فى طرابلس تشتهر بروايتها للحديث النبوى وتدريسه للطلاب. وكان يعاصره فى برقة محدثان جليلان هما إبراهيم البرقى وعبد الكريم البرقى. ونلتقى فى القرن الرابع الهجرى بيحيى بن دحمان، وكان محدثا كبيرا، تسامع به أهل الحديث النبوى فى البلاد المغربية والأندلسية، ومرّ بنا أن أندلسيين محدثين سمعا منه الحديث. ومن نابهى المحدثين فى هذا القرن ابن زكرون على بن أحمد بن زكريا المار ذكره فى الفصل الماضى بين الزهاد، وهو تلميذ صالح بن أحمد العجلى، وكان يلقى دروسه فى الحديث النبوى بمسجد المجاز فى طرابلس، وإليه كانت الرحلة من بلدان إفريقية التونسية والبلدان المغربية، وممن رحل إليه للسماع عنه أبو الحسن القابسى محدث تونس المشهور، وله فى الحديث والفقه والرقائق الوعظية تآليف كثيرة. ومن كبار المحدثين بعده أحمد بن نصر الداودى المتوفى سنة ٤٠٢ هـ‍/١٠١٢ م كان من أئمة المالكية، أنجبته طرابلس، وألّف فيها كتابه: «النامى» فى شرح الموطأ لمالك، وانتقل منها إلى تلمسان، وفيها ألف كتبا متعددة، منها: «النصيحة فى شرح كتاب البخارى» ويقال إنه أول من شرحه فى العالم الإسلامى، وألف كتاب الواعى فى الفقه وكتاب الأموال وهو فتاوى وأحكام فى غنائم وأراضى البلدان المفتوحة. ومن أهم المحدثين بعده إبراهيم بن عبد السلام المسراتى المتوفى سنة ٧٠٤ اشتهر بعنايته البالغة بغريب الحديث، وأهم منه معاصره الإمام الحافظ الكبير أبو فارس عبد العزيز بن عبد العظيم المشهور باسم ابن عبيد المولود بطرابلس سنة ٦٣٩ وينوّه به وبعلمه التجانى فى رحلته التى تحدث فيها عن زيارته

<<  <  ج: ص:  >  >>