شخصا منهم عن الطريق، فقال لى: إذا ظهرتم من الغابة فخذوا صوب (ناحية) كذا وكذا يعنى إذا خرجتم منها، وهذا اللفظ قد أكثر فيه أهل الغريب فى تفسير قول عروة بن الزبير رضى الله عنه: لقد حدثتنى عائشة-رضى الله عنها-زوج النبى صلّى الله عليه وسلّم بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلى العصر والشمس فى حجرتها قبل أن تظهر. . وأتوا عليه بشواهد وأمثال. وسمعت صبيا منهم ينادى فى الركب: يا حجاج من يشترى الصفيف؟ فلم يفهم عنه أكثر الناس، فقلت له: اللحم معك، فقال: نعم وأبرز لحم ظبى مقدّد (مجفّف) وهذا اللفظ (أى الصفيف) ذكره الإمام مالك فى الموطأ وقال بإثر الحديث: الصفيف القديد. وسألت شخصا عن ماء هل هو معين (سائل) فقال لى: هو ماء عدّ (جار) وهذا اللفظ فسّره أبو عبيد فى غريبه، وما يتكلمون به من الغريب أكثر من أن يحصى».
وإنما نقلت هذا النص بطوله من رحلة العبدرى-مقارنا بصورته فى كتاب ورقات للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب-لأهميته، ولأنه يثبت أن أهل برقة كانوا لا يزالون يتكلمون بالفصحى حتى أواخر القرن السابع وكانت فصحاهم تتفوق على فصحى أهل الحجاز، معللا العبدرى ذلك بأنهم لا يختلطون بغيرهم اختلاط أهل الحجاز بالحجاج من كل فجّ وطريق، ويقول إنهم لا يزالون يتمسكون بالإعراب مع سقوطه حينئذ من الألسنة فى بلدان العالم الإسلامى فى المغرب-كما يقول العبدرى-وفى غير المغرب إلا فى زبيد باليمن كما أوضحنا ذلك فى حديثنا بالجزء الخامس من هذه السلسلة. ويضرب مثالا لبدوى أثبت فيه نون الرفع فى المضارع ونصب المفعول وهو «أبا» فى قوله للعبدرى: «تطئون أبا الشمال» ويعلق العبدرى على ذلك قائلا: «ليس فى المغرب عربى ولا حضرى يفعل ذلك» ومثل المغرب مصر فى لغتها العامية. وذكر مثالا ثانيا أثبت الأعرابى فيه ياء المخاطبة مع نون الرفع فى قوله «تذوقينه» والاثنان يحذفان فى العامية المصرية والمغربية ويورد مثالا على دقة الحس اللغوى وأن بدويا سمع شخصا يقول من يكرى زاملة أى بعيرا راحلا، ويكرى معناها يؤجر، فسمعه بدوى، فقال له أعندك الزاملة؟ فقال له نعم، فنبّهه إلى أنه يستخدم فعل يكرى وهو يريد يستأجر، فقال له لا تقل: من يكرى وقل من يستكرى أى يستأجر. وذكر العبدرى أنه سمع بدويا يقول أظهر بمعنى أخرج، ويعلق على ذلك بأن لفظه ظهر بهذا المعنى ورد فى حديث نبوى وعدّ غريبا، ولذلك أكثر أصحاب الغريب فى الحديث النبوى من الإتيان له بالشواهد والأمثال، ثم يذكر أن صبيا نادى فى الركب من يشترى الصّفيف؟ ولم يفهم من معه معنى الصفيف وهو اللحم المقدد، وفهمه هو لأنه قرأه فى كتاب الموطأ للإمام مالك وتفسيره له بأنه القديد، ومن ذلك أنه يسأل شخصا عن ماء هل هو معين أى سائل فقال له عدّ أى جار، وقد عرف معناها لأنه قرأها عند أبى عبيد القاسم بن سلام فى كتابه «غريب الحديث». ويقول الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب فى الجزء الأول من كتابه الورقات بعد أن نقل هذا الفصل الطريف من رحلة العبدرى: «إن