من القرن الثالث، نزلها على إثر خلاف بينه وبين والى مصر، وكان قد ولاه أسوان فتركها واتجه إلى ليبيا والبلاد المغربية، ويبدو أنه حاول الرحلة عن طريق واحة سيوه، واتجه منها إلى واحات ليبيا، وربما كان يقصد القيروان لمدح أمراء الأغالبة، غير أن الموت أدركه فى زويلة عاصمة فزّان، فلم تحظ به ليبيا ولا حظى به الأغالبة.
وكانت طرابلس قد أصبحت تابعة للأغالبة فى إفريقية التونسية، بينما تبعت برقة مصر، ويتولى طرابلس بعض شعراء الأغالبة مثل عبد الله بن محمد الأغلبى واليها لابن عمه أبى الغرانيق سنة ٢٥٩ وكان-مع اهتمامه بالشعر-يعنى بالفقه والحديث النبوى، وعزله عنها أبو الغرانيق وولاه صقلّية ثم أعاده إليها، ولم يلبث أن ولاه القيروان، ولم يذكر مترجموه له سوى قطعة أرسل بها إلى صديقه موسى بن مرزوق لما بلغه نبأ عزله عن طرابلس وله يقول:
قد أتى فى الكتاب ما قد علمنا ... من تناء ورحلة وفراق
فعليك السلام إن فراقى ... قد دنا والفراق مرّ المذاق
وكان على شاكلته فى نظم الشعر ابن عمّ له هو محمد بن زيادة الله والى طرابلس لإبراهيم بن أحمد الأغلبى (٢٦٢ - ٢٨٩ هـ) وكان عالما وشاعرا خطيبا، وله كتاب راحة القلب والزهر. وأشعر منه ومن سالفه أحمد بن سفيان بن سوادة الأغلبى الذى ولى طرابلس وأعمالها سنوات كثيرة. وأنشد له ابن الأبار قصيدتين حماسيتين يقول فى إحداهما:
قرّبوا الأبلق إنّى ... أعرف الخيل العتاقا
وعليها أصرع الأب ... طال طعنا واعتناقا
وأروّى من نجيع ال ... هام أسيافا رقاقا
وليس بين أيدينا ما يؤكد أن هؤلاء الولاة الأغلبيين الشعراء أحدثوا فى طرابلس حركة أدبية أغدقوا فيها الأموال على الشعراء كما كان يصنع قبلهم يزيد بن حاتم المهلبى حين ولى القيروان سنة ١٥٤ فإنه أحدث فيها حركة أدبية واسعة نثر فيها على الأدباء أموالا طائلة، ومع ذلك نظن ظنا أن تولى هؤلاء الولاة الأغالبة الشعراء لطرابلس كان له بها أثر غير قليل، إذ نجد الشعر يسيل على ألسنة بعض الليبيين من اللغويين والفقهاء وغيرهم، من ذلك أن إسحاق بن خنيس هجا العالم اللغوى عبد الله بن محمود المكفوف بقصيدة طويلة قال فيها:
ألا لعنت سرت وما جاء من سرت ... فقد حلّ من أكنافها جبل المقت
فقال فيه المكفوف:
إن الخنيسىّ يهجونى لأرفعه ... إخسأ خنيس فإنّى غير هاجيكا