للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أنحائها نحوا من شهرين، وعادوا دون أن يصاب أحد منهم بأذى، ويتوفى الأمير محمد سنة ٢٤٢ هـ‍/٨٥٦ م ويتولّى ابن أخيه أحمد وفى أيامه استولى المسلمون فى صقلية على مدينة قصريانة المنيعة سنة ٢٤٤ هـ‍/٨٥٨ م وأعاد بناء جامع تونس وزيّنه بقباب ونقوش وأعمدة رخام بديعة كما زين جامع عقبة فى القيروان بقبّة خارجة عن البهو ومحراب رخام مزودين بالنقوش، وبنى الماجل (الصهريج) الكبير بالقيروان وماجل سوسة، وتوفى سنة ٢٤٩ هـ‍/٨٦٣ م وخلفه ابنه زيادة الله الثانى، ودار العام، فتوفى، وتولّى بعده ابن أخيه أبو الغرانيق سنة ٢٥١ هـ‍/٨٦٥ م وفى عهده فتح الأسطول سنة ٢٥٥ هـ‍/٨٦٨ م جزيرة مالطة وظلت تابعة للقيروان نحو قرنين ونصف حتى استولى عليها روجار الأول ملك صقلية سنة ٤٨٥ هـ‍/١٠٩٢ م ويتوفّى أبو الغرانيق سنة ٢٦١ هـ‍/٨٧٤ م ويخلفه أخوه إبراهيم وفى أيامه فتحت سرقوسة آخر معاقل الروم فى صقلية سنة ٢٦٤ هـ‍/٨٧٧ م. وفى نفس السنة بنى مدينة رقادة على بعد ثمانية أميال جنوبى القيروان، ونقل إليها أهل بيته ودار إمارته ورجال دولته وجنده، ويعد عهده من أزهى العهود علما وحضارة فى الدولة الأغلبية إذ بنى فى عاصمته: رقّادة بيت حكمة كبيت هارون الرشيد والمأمون فى بغداد، وجلب إليه طائفة بارعة من العلماء أطباء ورياضيين وفلكيين وموسيقيين وألحق به مكتبة ضخمة، فتح أبوابها للطلاب والقصّاد. وبعث بذلك فى إفريقية التونسية نهضة علمية وثقافية واسعة. وأنشأ إبراهيم محارس ورباطات كثيرة على الساحل واستحدث فيها نظام إشارات بالأضواء ترسل توّا من رباط إلى رباط عند حدوث أى هجوم، بحيث إذا حدثت أى غارة بحرية للأعداء فى أى بقعة على الساحل علمت بذلك فى الحال جميع الرباطات والمحارس.

وأصيب فى أواخر ولايته بمرض السوداء، مما جعله يسفك دم كثيرين من أقاربه، وعلمت بذلك الدولة العباسية فأرسلت إليه سنة ٢٨٩ هـ‍/٩٠١ م أن يعفى نفسه من الحكم ويتنازل عنه لابنه عبد الله. وصدع لهذا الأمر، وسلم صولجان الحكم لابنه، وكأنما أراد أن يكفر عما صنع من سفك الدماء فرأى أن يمضى بقية حياته فى الجهاد، وأعدّ أسطوله إعدادا كبيرا لغزو إيطاليا فى نفس السنة، وعبر به مضيق مسينا قاصدا قلوريّة وأرض إيطاليا الجنوبية، واستولى على عدد من الحصون الإيطالية فى الجنوب غير أن الموت باغته، فعاد به الأسطول إلى بالرم فى صقلية ودفن بها، ونقل ابنه عبد الله رفاته إلى القيروان. وكان عبد الله على جانب كبير من التقوى والصلاح وكتب إلى عماله بالرفق فى معاملة الرعية، وتوفى سريعا سنة ٢٩٠ هـ‍/٩٠٢ م. وخلفه ابنه أبو مضر زيادة الله، وكان أبو عبد الله الصنعانى داعية عبيد الله الفاطمى قد نشر دعوته الإسماعيلية الفاطمية فى كتامة بالجزائر، ودخل فى دعوته كثيرون، فكوّن منهم جيشا قضى به على دولة تيهرت الإباضية، وتقدم بجموعه من الجزائر قاصدا القيروان ولقيه جيش أغلبى فى قرية الأربس، فهزمه، وأحس أبو مضر زيادة الله الأغلبى أنه لن يستطيع الصمود لأبى عبد الله الصنعانى داعية الفاطميين، فخرج عن ملكه فارّا إلى المشرق وتردّد بين مصر والشام فى

<<  <  ج: ص:  >  >>