البحر المتوسط الأوربية وشرقا إلى مصر والشام وتركيا وغربا إلى الجزائر ومراكش وإسبانيا وغربى أوربا حتى إسكندناوة، ومنذ عصر القرطاجيين كانت قوافلها تتغلغل فى فلوات الصحراء الكبرى إلى السودان الأوسط والغربى محملة بالسلع التونسية من الزيتون وزيته والنّقل ومن المنسوجات القطنية والكتانية والحريرية ومن السروج واللبود وأقفال الحديد والمفاتيح والإسفنج الذى يصاد على الساحل والملح المطحون الذى يحمل من ملاحات تونس الكثيرة، وتعود محملة بالجلود وريش النعام والعاج أو ناب الفيل والتّبر والرقيق الأسود الكثير. وذكرنا فى الفصل الماضى أن إبراهيم بن أحمد الأغلبى استكثر من هذا الرقيق الزنجى فى حرسه حتى بلغوا عشرة آلاف عدّا، ومنذ الأزمنة السحيقة كان يظل كثيرون من هذا الرقيق فى القطر التونسى مما جعل لهم فيه-من قديم-بعض القرى. وطبيعى أن تنشأ فى كل بلد تونسى سوق داخلية يشترى منها أهله ما يحتاجون إليه من الحبوب والثمار والخضر والصناعات المختلفة. وأول من أمر بتنظيم هذه الأسواق فى القطر التونسى الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك (١٠٥ - ١٢٤ هـ) يقول أبو عبيد البكرى: «كان السّماط-وهو سوق القيروان-متصلا (أى دكاكينه متلاصقة) فيه جميع المتاجر والصناعات وهو الذى أمر بترتيبه هكذا». واتبعت الأسواق فى تونس وغيرها هذا النظام، حتى إذا كان عهد يزيد بن حاتم المهلبى (١٥٦ - ١٧٠ هـ) رتب أسواق القيروان. عاصمته ترتيبا جديدا، وفى ذلك يقول ابن عذارى فى البيان المغرب:«قد مهّد أمور لبلاد، ورتب أسواق القيروان، وأفرد لكل صناعة مكانا». ومعنى ذلك أنه جعل لكل صنعة مجموعة من الدكاكين خاصة بصناعتها وبيعها، ويحدثنا الحسن الوزان عن. سوق تونس حين زارها، ويذكر أن أهم الأمكنة فى سوق تونس مكان تجار المنسوجات، يقول: «وهناك سوق خاص فى تونس يحوى عددا كبيرا من تجار القماش، ويعد هؤلاء أكثر أهل المدينة ثراء، ويشغل تجار آخرون وصناع معهم هذا السوق كالعطارين، وباعة الأشربة والترياقات، وباعة العطور والحرير، والخياطين والسرّاجين (باعة السروج) والفرّائين (باعة الفراء) وباعة الفاكهة، والحلاّبين، وصنّاع الزلابية (حلواء) والقصّابين (الجزارين) الذين يذبحون فى فصلى الربيع والصيف من الخراف أكثر من سائر الحيوانات الأخرى، وثمّ مهن كثيرة أخرى تمارس فى هذا السوق لا يتسع المقام لذكرها».