تلميذ لأمان بن الصمصامة وعياض بن عوانة وقتيبة الجعفى وكثير من الأعراب مثل أبى المنيع الأعرابى وغيره، غير أنه عمّر عمرا طويلا، إذ توفى سنة ٣٥٦ هـ/٩٦٦ م. ومن معاصريه أحمد بن إبراهيم بن أبى عاصم أبو بكر اللؤلؤى المتوفى سنة ٣١٨ هـ/٩٣٠ م وكان من العلماء النقّاد فى العربية والغريب والنحو والقيام بأكثر دواوين العرب، وهو تلميذ أبى محمد المكفوف المذكور آنفا، وألّف كتابا فى الضاد والظاء فحسّنه وبيّنه. ولم تلبث القيروان أن أخرجت لغويا كبيرا طار اسمه فى الآفاق هو القزّاز محمد بن جعفر التميمى المتوفى سنة ٤١٢ هـ/١٠٢١ م درس على شيوخ القيروان، ثم رحل إلى العراق فدرس على أئمة اللغة والنحو، ونزل فى القاهرة أيام العزيز نزار (٣٦٥ - ٣٨٦ هـ) وعرف فضله، فعين فى دواوين العزيز، وألف له -استجابة إلى طلب منه-كتابا فى الحروف التى ذكرها النحاة فى قولهم: إن الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى على أقصد سبيل وأقرب مأخذ وأوضح طريقة، فيبين معانى الحروف مع ترتيبها على حروف المعجم، فبلغ الكتاب ألف ورقة، وقدم إلى العزيز صورة منه فأعجبه ورضيه. وتوفى العزيز فعاد إلى القيروان وشغف به وبمجالسه الطلاب والمتأدبون لعلمه اللغوى الغزير وحسن تذوقه للأدب، ولم يكن ذواقة للأدب والشعر فحسب، بل كان أيضا ناقدا بصيرا وشاعرا مجيدا، وتخرج على يديه ابن شرف القيروانى الشاعر المبدع وابن رشيق الشاعر والناقد الممتع. وله فى اللغة معجم سماه «جامع اللغة» وهو معجم كبير رتبه على حروف المعجم، ويقول ياقوت فى معجم الأدباء عنه إنه يقارب فى الحجم معجم التهذيب للأزهرى، وله فى الضاد والظاء وتبادلهما فى الكلمات مبحث كبير فى ثلاثة أجزاء، وله المثلث فى اللغة، وله كتاب ما أخذ على المتنبى من اللحن والغلط، وكتاب العشرات يذكر فيه اللفظ ومعانيه المترادفة، وفى دار الكتب المصرية منه مخطوطة، وله إعراب مقصورة ابن دريد وشرحها، وكتاب الحلى والشيات فى أوصاف الآدميين طبع فى صيدا بلبنان، وله شرح رسالة البلاغة فى مجلدات، ومن كتبه الطريفة ضرائر الشعر، وهو دراسة تفصيلية لما يجوز للشاعر استعماله من ضرورات الشعر، وهو مطبوع بتونس. ونلتقى بتلميذه الحسن بن محمد التميمى اللغوى النسابة، وكان القزاز قد عنى به محبة له، فبلغ به نهاية الأدب وعلم الخبر والنسب، وكان شاعرا نابها قوى الكلام خبيرا باللغة، وكان شديد الشغف بديوان ذى الرمة، وعنه أخذه الناس كما أخذوا دواوين الجاهلية. وكان يعاصره إسماعيل بن إبراهيم القيروانى اللغوى، تقدّم فى علم الغريب وطلبه وعلو سماعه، وكان يبحث عن الشذوذ اللغوى بحثا شديدا، وإلى أمّهات كتبه ترجع-كما يقول القفطى-جميع النسخ وبها تقابل وعليها تصلح، وهو من مدّاح المعز بن باديس وفيه يقول:
بذّ الملوك جلالة ومهابة ... وعلا على النّظراء والأشكال
ونلتقى بعبد الدائم بن مرزوق المتوفى سنة ٤٧٢ هـ/١٠٧٩ م كما فى بغية الملتمس للضبى،