درس العربية على شيوخ القيروان وارتحل إلى المشرق وتجوّل فى حلقات شيوخه بالبصرة وبغداد، ودخل الشام والتقى بأبى العلاء المعرى، وأخذ عنه ديوانيه: سقط الزند واللزوميات، وعاد إلى بلده، ولم تلبث هجرة الأعراب أن اكتسحت القيروان فهاجر إلى الأندلس، ونزل المريّة وإشبيلية، وهناك أخذ يلقى دروسه، ويروى أشعار أبى العلاء، وممن تتلمذ عليه عالم الأندلس اللغوى ابن السّيد البطليوسى بشهادة ما يرويه عنه فى كتابه:«الاقتضاب فى شرح أدب الكتاب» كما لاحظ الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب، ويقول إنه أول من أدخل شعر أبى العلاء إلى إفريقية والأندلس، وأكبر الظن أن نسخة سقط الزند التى شرحها ابن السيد وطبعت مع شروح السقط الأخرى فى القاهرة مأخوذة عن نفس المخطوطة التى حملها ابن مرزوق عن أبى العلاء، وكأنه شرحه بمجرد أن سمعه من ابن مرزوق، وأظن نفس الظن إزاء شرح ابن السيد لطائفة كبيرة من شعر اللزوميات المطبوع فى جزءين فى القاهرة، إذ اعتمد فى هذا الشرح-فيما أظن-على رواية اللزوميات التى سمعها عن ابن مرزوق، والأبيات-فى رواية ابن السيد-تصحح كثيرا من أبيات اللزوميات المنشورة، ولعل محققا تونسيا محظوظا يجد فى جامع الزيتونة أو جامع عقبة مخطوطة من اللزوميات مأخوذة-أو مروية-عن نسخة ابن مرزوق قبل مبارحته القيروان إلى الأندلس، ويمكن التأكد من ذلك بمراجعتها على شرح اللزوميات لابن السيد. وله معجم فى اللغة وشرح على ديوان المتنبى.
ويلقانا فى أوائل عهد الدولة الحفصية محمد بن أبى الحسين المتوفى سنة ٦٧١ هـ/١٢٧٣ م حاجب أبى زكريا مؤسس الدولة ووزير ابنه المستنصر، وهو من أسرة بنى سعيد الغرناطية، وكان لغويا وشاعرا وكان ابن سيده الأندلسى قد رتب معجمه «المحكم» على أساس مخارج الحروف طبقا لمعجم العين للخليل بن أحمد، فقلب ترتيبه إلى ترتيب معجم الصحاح للجوهرى، وسمى صنيعه «ترتيب المحكم». وكان يعاصره عالم لغوى من علماء الهجرة الأندلسية فى القرن السابع الهجرى هو أحمد بن يوسف اللّبلى الأندلسى المتوفى بتونس سنة ٦٩١ هـ/١٢٩٢ م وله على كتاب الفصيح لثعلب شرح سماه:«تحفة المجد الصريح فى شرح كتاب الفصيح» ويقول الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب إنه ينقل فيه مرارا عن معجم القزّاز: «جامع اللغة» وعن كتابه: «المثلث» كما ينقل فيه أيضا عن معجم ابن مرزوق، وكأن أعمال ابن مرزوق-وفى ظننا ما رواه من شعر أبى العلاء-كان لا يزال محفوظا فى موطنه حتى نهاية القرن السابع الهجرى.
وكل من نظمناهم فى سلك اللغويين-أو كثرتهم-يوصفون فى كتب التراجم بأنهم كانوا نحاة كما كانوا لغويين غير أننا لاحظنا أنه غلبت عليهم مباحث اللغة، ومرّ بنا فى الحديث عن النشأة اللغوية أنه كان بين اللغويين نحويان كوفيان استوطنا القيروان وقد خلف بعدهما جيل