أحد أبنائها هبّت للأخذ بثأره هبة واحدة. فلما جاء الإسلام أخذ يضعف من شأن القبيلة ويحلّ محلها فكرة الأمة، يقول جلّ ذكره: {(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)} {(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ)} وهى أمة يعلو فيها السلطان الإلهى على السلطان القبلى وعلى كل شئ، ومن ثمّ أصبحت الرابطة الدينية لا الرابطة القبلية هى التى توحّد بين الناس. وكان أول ما وضعه الإسلام لإحكام هذه الرابطة أن نقل حق الأخذ بالثأر من القبيلة إلى الدولة، وبذلك لم يعد الثأر-كما كان الشأن فى الجاهلية-يجرّ ثأرا فى سلسلة لا تنتهى، من الحروب والمعارك الدموية، بل أصبح عقابا بالمثل، وأصبح واجبا على القبيلة أن تقدّم القاتل لأولى الأمر حتى يلقى جزاءه. وقد مضى الإسلام يحاول القضاء على العصبية القبلية كما قضى على قانونهم القديم: الثأر للدم، يقول عزّ شأنه:
{(يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)}، ويقول الرسول فى خطبة حجّة الوداع:«أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير، وليس لعربى على عجمىّ فضل إلا بالتقوى.»(١)
وأخذ الإسلام يرسى القواعد الاجتماعية لهذه الأمة، بحيث تكون أمة مثالية يتعاون أفرادها على الخير آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، يسودهم البر والتعاطف، حتى لكأنهم أسرة واحدة، محيت بين أفرادها كل الفوارق القبلية والجنسية، وأيضا فوارق الشرف والسيادة الجاهلية، فالناس جميعا سواء فى الصلاة وجميع المناسك وفى الحقوق والواجبات، وينبغى أن يعودوا إخوة، يشعر كل واحد منهم بمشاعر أخيه، باذلا له ولمصلحة هذه الأمة كل ما يستطيع، فهو لا يعيش لنفسه وحدها، وإنما يعيش أيضا للجماعة يفديها بروحه وبماله وبكل ما أوتى من قوة. ومن ثمّ وضع نظام الزكاة وعدّت-كما قدمنا-ركنا أساسيّا فى الدين، فواجب كل شخص أن يقدم من ماله سنويّا فرضا مكتوبا عليه للفقراء وللصالح العام.