للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبذلك أصبح للفقير حق معلوم فى مال الغنى، يؤديه إليه راضيا. ومدّ القرآن الكريم هذا الحق، إذ دعا دعوة واسعة إلى الإنفاق فى سبيل الله، لا بالزكاة فحسب، بل بكل ما يهبه الأغنياء تقربا إلى الله ورغبة فى حسن المثوبة، يقول جلّ وعزّ: {(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً. .} {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. .}

{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. .}

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. .} {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).}

وعلى هذه الشاكلة حاول القرآن الكريم أن يقيم ضربا من العدالة الاجتماعية فى محيط هذه الأمة الجديدة، إذ جعل ردّ الغنى بعض ماله على الفقير وعلى الصالح العام للأمة حقّا دينيّا. إنه لا يعيش لنفسه وحدها، بل يعيش أيضا لأمته ويترابط معها ترابطا اقتصاديّا كما يترابط فى وجدانه وإيمانه. وقد اندفع كثير من الصحابة ينفقون أموالهم جميعها فى سبيل الله، ويؤثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما نفعنى مال ما نفعنى مال أبى بكر» (١) وكان غيره من أغنياء الصحابة يقتدون به، فقد جهّز عثمان جيش العسرة فى غزوة تبوك بتسعمائة وخمسين بعيرا وأتمّ الألف بخمسين فرسا (٢)، وكثر مال عبد الرحمن ابن عوف حتى قدم عليه فى إحدى تجاراته سبعمائة راحلة تحمل القمح والدقيق والطعام فجعلها جميعها فى سبيل الله (٣). ولم يعن الإسلام فقط بتنظيم العلاقة بين الغنى من جهة والفقير والصالح العام من جهة ثانية، بل عنى أيضا بتنظيم العلاقات العامة كالميراث وتنظيم المعاملات كالتجارة والزراعة والصناعة، فقد أوجب


(١) الاستيعاب (الطبعة الأولى) ص ٣٤٢.
(٢) الاستيعاب ص ٤٨٨.
(٣) سير أعلام النبلاء للذهبى (طبع دار المعارف) ١/ ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>