للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفضيلته أو فضائله. ويتوفّى يحيى بن عمر إمام المذهب المالكى فى سوسة سنة ٢٨٧ هـ‍/٩٠٠ م ويرثيه سعدون الورجينى بمثل قوله (١):

عين ألمّ بها وجد فلم تنم ... تبكى بدمع كقطر الدّرّ منسجم

عجبت أن لم أمت حزنا وقد دفنت ... كفّاى فى التّرب أنقى العرب والعجم

يا موت أثكلتنا يحيى وكان فتى ... فى بلدة الغرب مثل البدر فى الظّلم

من كان من بعد سحنون لنا خلفا ... من كان فى الحقّ مثل الصارم الخذم (٢)

وهو يقول إنه بات مسهدا محزونا يبكى بدمع لا ينقطع، ويعجب أن لم يمت حزنا وقد دفنت كفاه فى التراب يحيى بن عمر أنقى العرب والعجم، ويلتفت إلى الموت لائما، فقد أفقدهم يحيى وكان فقيها لا نظير له، وكان مثل البدر يحسر الظلمات عن الناس، إذ كان خلفا لأستاذه سحنون، وكان فى إحقاق الحق وإبطال الباطل مثل السيف الحاد القاطع. وحظيت الأسرة الأغلبية الحاكمة حينذاك بشاعرة تسمى مهرية الأغلبية، توفيت حوالى سنة ٢٩٥ هـ‍/٩٠٧ م وكان لها أخ ناسك يسمى أبا عقال هاجر إلى مكة ومات بها غريبا عن وطنه ودياره، وله مواعظ كثيرة أنشدها المالكى فى الرياض وقالت أخته نادبة له باكية (٣):

ليت شعرى ما الذى عاينته ... بعد طول الصّوم مع نفى الوسن

مع نزوح النّفس عن أوطانها ... والتخلّى عن حبيب وسكن

يا شقيقا ليس فى وجدى به ... علّة تمنعنى من أن أجنّ

وكما تبلى وجوه فى الثّرى ... فكذا يبلى عليهنّ الحزن

وهى تتجه بالسؤال إلى شقيقها ماذا رأى فى بلاد الغربة بعد ما عانى من طول الصوم والسهاد ومع حرمانه من وطنه وتخليه عن سكنه وأحبابه، وتحزن عليه حزنا عميقا فلن تراه، وتظل مواجدها معلقة به حتى لتشعر أنها ستجنّ، وتعود إلى نفسها، فكما تبلى وجوه فى الثرى يبلى الحزن وتبلى لوعته.

ولكراهية أهل السنة فى القيروان للعبيديين ومذهبهم الإسماعيلى انضموا إلى مخلد بن كيداد الثائر البربرى الصفرى على القائم بأمر الله العبيدى فى حصاره للمهدية سنة ٣٣٣ وقتل فى هذا الحصار شيخ كبير ن شيوخ أهل السنة هو أبو الفضل الممّسى، فرثاه تلميذه أبو القاسم الفزارى، بمثل قوله (٤):


(١) رياض النفوس ١/ ٤٠٥.
(٢) الصارم الخذم: السيف القاطع.
(٣) رياض النفوس للمالكى ١/ ٤٣٦ والمجمل ص ٧١.
(٤) المجمل ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>