للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كتّابها أبو العباس البريدى محمد بن حيون رئيس ديوان الإنشاء لعهد إبراهيم الأغلبى الثانى (٢٦١ - ٢٨٩ هـ‍). وقدم على إبراهيم من بغداد أبو اليسر الشيبانى إبراهيم بن محمد، وكان قد غضب على البريدى فأقامه مقامه على ديوان الإنشاء بعاصمته «رقّادة» وهو أهم كتاب هذه الدولة وسنخصه بكلمة. وكانت الدولة الصنهاجية تعنى بدواوينها ورأس ديوان الإنشاء بها لمدة ربع قرن الكاتب الرقيق القيروانى، كما رأسه على بن أبى الرجال، وهما من الكتاب البلغاء، غير أن كتب الأدب والتاريخ لم تحتفظ ببعض ما دبجاه من الرسائل. ومع ذلك فإن أمير المهدية الحسن حفيد تميم بن المعز حين هزم أسطول الملك روجار الثانى أمام عاصمته سنة ٥١٧ كتب إلى سائر الجهات كتبا منها كتاب يقول فى بعض فصوله (١): «إن صاحب صقلّية لجّ فى طغيان غيّه، واستمر على عدوانه وبغيه، وحمله سوء تدبيره، وفساد تقديره، على اهتضام جانب الإسلام، وتوهّم أن ذلك سهل الملتمس قريب المرام، فاستجاش وحشد، واستغزر واستمدّ، ولما استتبّت فى ظنه أموره، وكمل تدبيره، الذى كان فيه تدميره، سيّر أسطوله نحو المهديّة-حماها الله-فى نحو ثلاثمائة مركب، حمل على ظهرها ثلاثون ألف راكب، وزهاء ألف فارس وكان إقلاعه فى طالع مقارن للنحوس، قاض عليه بإتلاف الأموال والنّفوس، فمن أول ما أنشأه الله فيه من صنعه الجميل، وأظهره من عنايته التى لا يؤدّى حقّها بغير الشكر الجزيل، أن أرسل عليهم ريحا صيّرت جميعهم إلى التّبار (٢)، ونابت فى إهلاكهم مناب زرق الأسنّة وبيض الشّفار. . واستظهرنا باستقدام قبائل العرب المطيفة بنا فأقبلوا أفواجا أفواجا، وجاءوا مجئ السيل يعتلج (٣) اعتلاجا، ويتدفق أمواجا، وكلهم على نيّات فى الجهاد خالصة، وعزائم غير راهبة من مواقف الموت ولا ناكصة، ووصل الأسطول المخذول بمن أسلمه السّوق إلى حد الحسام، وتخطّاه الغرق من الحمام إلى الحمام (٤)، ونزلوا على عشرة أميال من المهدية بجزيرة هنالك فتسرّع إليهم من جندنا ومن انضاف إليهم من العرب المنجدة لنا طائفة أوسعت أعداء الله طعنا وضربا، وملأت قلوبهم خوفا ورعبا. فلما عاينوا ما نزل بهم، أنزلوا عن ظهور مراكبهم، ما كان أبقاه الغرق من أفراسهم، وكانت نحو خمسمائة فرس. . فأكذب الله ظنونهم، وخيّب آمالهم، وجعل الدائرة عليهم لا لهم. . فولوا أدبارهم يرون الهزيمة غنيمة، والهرب غلبة، وتركوا كثيرا من خيلهم وأسلحتهم نهبا مقتسما، وفيئا (٥) مغتنما»

ومضى الكتاب يذكر أن الجيش النورمانى كان قد استولى فى أول نزوله على قصر الديماس بين المنستير والمهدية، وكانوا قد أنزلوا به مائة منهم فاستؤصلوا عن آخرهم. والكتاب يتميز


(١) الحلل السندسية ٢/ ٤٧٢.
(٢) التبار: الهلاك.
(٣) يعتلج: يجتمع.
(٤) الحمام: الموت.
(٥) فيئا: مغنما.

<<  <  ج: ص:  >  >>