بألفاظ منتخبة مختارة، وليس فيها غريب مهجور، والأسلوب فيه مسجوع، ويطرد فى يسر، مما يدل على ما حازته كتابة الرسائل الديوانية فى العهد الصنهاجى من تقدم ورقى.
ونمضى إلى عصر الدولة الحفصية وتحدث نهضة حقيقية فى ديوان الإنشاء بفضل من عمل فيه من كبار الكتاب الأندلسيين المهاجرين إلى تونس من أمثال ابن الأبّار ومحمد بن الحسين بن أبى الحسين وزير مؤسس الدولة أبى زكريا وابنه المستنصر وأيضا بفضل طبقة بارعة من الكتاب التونسيين أمثال أبى العباس أحمد بن إبراهيم الغسانى المتوفى سنة ٦٥٨ هـ/١٢٦٠ م وقد جمعت له خطّة العلامة وخطة الإنشاء وابن الحباب محمد بن يحيى المعافرى وأبى بكر بن خلدون وله كتاب فى النظم الحفصية لا يزال مخطوطا وفى معهد الدراسات الإسلامية بمدريد مخطوطة منه، وفى الورقة رقم ٥٣ يتحدث عن طريقة المخاطبات الصادرة عن الخليفة الحفصى قائلا:«فى مخاطبة من الأمير الأعظم إلى غيره تقول: من فلان باللقب: أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين وتعدّ آباءه الخلفاء إذا لم تذكر اللقب، فإن ذكرته جعلته جملة، وذكر اللقب أحسن فى الحالتين، ثم تقول أيّدهم الله بنصره وأمدّهم بمعونته إلى الشيخ أبى فلان أو إلى أبى فلان أو إلى الأشياخ والأعيان والكافّة من بنى فلان أدام الله كرامتهم وتوفيقهم بتقواه سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد حمد الله. وبعد تمام الصّدر تكون الوصية بتقوى الله وبما يجب. هذا إذا كان كتابا، وإذا كان صكّا، ويسمى الآن ظهيرا فلا يكون فيه صدر ولا وصية ولا اسم المكان الذى كتب منه»
وكان أبو بكر بن خلدون يعمل فى دواوين أبى زكريا مؤسس الدولة الحفصية، ونرى القلقشندى المتوفى سنة ٨٢١ يؤكد استمرار هذا التقليد فى الكتابة الديوانية التونسية حتى عصره إذ يقول فى كتابه صبح الأعشى عن رسم المكاتبة الواردة إلى القاهرة عن صاحب تونس: «عادة مكاتبته أن تفتتح بلفظ من عبد الله الفلانى مع ذكر لقب الخلافة: أمير المؤمنين بن فلان، ويقال فى كل أب من آبائه: أمير المؤمنين إن كان قد ولى الخلافة ويدعى له.
إلى أخينا فلان، ويؤتى بالسلام والتحية، ثم يتخلّص بالبعديّة إلى المقصد ويختم الكتاب (١)».
ويورد القلقشندى عقب ذلك مباشرة رسالة من الخليفة الحفصى المتوكل على الله أحمد بن أبى عبد الله الحفصى (٧٧٢ - ٧٩٦ هـ) إلى السلطان برقوق يهنئه فيها باسترداده عرش سلطنته سنة ٧٩١ وهى تستهل بهذه الصورة:
«من عبد الله المتوكل على الله أمير المؤمنين أحمد ابن مولانا الأمير أبى عبد الله ابن مولانا الأمير أبى يحيى أبى بكر ابن الأمراء الراشدين أعلى الله به كلمة الإسلام، وضاعف نوافل سيفه من عبدة الأصنام، وغضّ عن جانب عزّه عيون حوادث الأيام، إلى أخينا الذى لم نزل