للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نشاهد من إخائه الكريم، فى ذات الربّ الرحيم، قبلة صفاء لم تغيّرها يد بعاد ولا انتزاح، ونثابر من حفظ عهده، والقيام بحق ودّه، على ما يؤكد معرفة الخلوص من لدن تعارف الأرواح، ونبادر لما يبعث القلوب على الائتلاف، والأمن بفضل الله من عوائق الاختلاف، وإن شحطت الدار وتناءت الصور والأشباح، ونعترف بما له من مزيد الإعظام بمجاورة البيت الحرام، والقيام بما هنالك من مطالع الوحى الكريم ومشاعر الصلاح، ونجتلى من أنوائه الكريمة الشريفة، ومطالعه العالية المنيفة، وجوه البشائر رائعة الغرر والأوضاح. . ونبتهل إلى الله بالدعاء أن يخبرنا عنه، ويطلعنا منه على ما يقرّ عيون الفوز ويشرح صدور النجاح، السلطان الجليل الطاهر، الملك الأعظم الظاهر. . أبى سعيد برقوق»

وواضح أن الكاتب الحفصىّ لم يكتف فى مستهل رسالته بالأسجاع الحائية، فقد ضمن كل سجعة سجعتين داخليتين، وكأن السجع فى الرسائل الحفصية أصابه ما أصاب السجع فى الرسائل الديوانية-منذ القاضى الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبى-من تطويل لتضم السجعة تحت جناحيها سجعتين داخليتين كما فى هذه القطعة من الرسالة. ويمضى فى الرسالة فيحمد الله ناظم الشمل وجابر الصّدع الذى قرن بالعسر يسرا. ثم يصلى ويسلّم على الرسول الذى صدعت بالحقّ آياته، وقامت بحجة دعواه معجزاته. . ويضيف الصلاة على آله وأصحابه أولياء دينه الكريم وولاته، وأنصار حزبه المفلح وحماته، وليوث دفاعه فى صدور الأعداء وكماته.

ويدعو الكاتب لخليفته، ويذكر للسلطان برقوق أنهم ظلوا حين عزل عن السلطنة يدعون له أن يردّ الأمر إلى نصابه، ويطيل فى تهنئته بنصره، ويشيد برسالة السلطان برقوق إليه بأنه استعاد سلطانه، ويذكر انتصارا لأسطوله إذ أغار على بعض جزر البحر المتوسط وكان صاحبها أغار على الساحل التونسى، يقول:

فلم نزل نبيح لأساطيلنا المنصورة حرمه وحماه، ونطرق طروق الغارة الشّعواء بلاده وقراه، ونكتسح بأيدى الاستلاب ما جمعت بها يداه إلى أن ذاقوا من ذلك وبال أمرهم، وتعرّفوا عاقبة مكرهم. وكان من جرائرهم المعترضة شجا فى حلوق الخطّار (١)، ومتجشّمى الأخطار، وركّاب البحار، من الحجاج والتجّار، جزيرة غودش (٢) وبها من أعداء الله جمّ كثير، وجمع كبير، فأرسلنا عليهم منن أسطولنا المنصور غربانا (٣) نعقت عليهم بالمنون، وعرّفت المسلمين بركة هذا الطائر الميمون. . وسارت تحت أجنحة النجاح إليها، إلى أن رمت مخالب مراسيها عليها، فلما نزلوا بساحتها، وكبّروا تكبيرة الإسلام لإباحتها، بهت الذى كفر، وودّ الفرار والحين (الموت) يناديه


(١) الخطار: المتحركين بحرا.
(٢) لعلها جزيرة رودس.
(٣) غربانا: سفنا مطلية بالقار.

<<  <  ج: ص:  >  >>