للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكيم واستشهاد ببيت سعد بن مالك فى حرب بكر وتغلب معرّضا فيه بالحارث بن عباد حين اعتزل هذه الحرب، وهى تصوّر براعة كاتبها الأدبية، وكان يتقلد رياسة ديوان الإنشاء أيام الخليفة الحفصى أبى يحيى زكريا المشهور باللحيانى وابنه محمد الملقّب بأبى ضربة. ومن كتاب الرسائل الشخصية فى هذا العصر ابن خلدون، وسنخصه بكلمة. وتتكاثر الرسائل فى العصر العثمانى، من ذلك رسالة تعزية لعلى الغراب الصفاقسى يعزى صديقا له فى أمه ومن قوله فيها (١):

«ترك القلب بعد المسرّة أسيفا، وقرع الأسماع قرعا عنيفا، ذكر ما أصبت به فى مبدأ لوحتك (٢)، ومنبت دوحتك، ومنبع مشربك، ومطلع كوكبك، حيث أجابت الدواعى العلويّة، إذ قالت لها {اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً}. . فعزّ علينا-والله-هذا المصاب، وبلغنا من الحزن بهذا الرّزء (٣) النّصاب (الغاية). . فتأسّ يا أخى بصبر ذوى الألباب، وادّخر ما أصبت به عند الله ليوم الحساب، فلا يخفاكم ما أعدّ للصابرين من الأجر والثواب {إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} أحسن الله لك بها العزاء، وجازاك الله أفضل الجزاء».

والتكلف واضح فى هذه الرسالة، وعلى الغراب يكثر فى كتاباته من صور التصنع المختلفة، وسنعود إلى بيان ذلك فى الحديث عن مقاماته، ولمحمد ماضور المترجم له بين شعراء الغزل رسائل شخصية متعددة، من ذلك رسالة فى تهنئة صديق بالإبلال من مرض، وفيها يقول (٤):

«سلام أعلى وأغلى، وأجلى وأحلى، وأبقى وأنقى، من سلام شائق لمشوق، ووامق لموموق، أخصّ به حضرة الموسوم بصدق الإخاء، فى الشدة والرخاء، لا زالت عيون السعادة تلاحظه، وأيادى الإيادة (التأييد) تفاوضه بمنّة الله تعالى، أما بعد فإنى أحمد الله لى ولك على العافية الكافية، والنعمة الضافية الوافية، أمدّها الله علينا امتداد رحمته، وأبقاها لدينا بقاء كرامته ومنّته».

ولغه ماضور سهلة وليس فيها لفظ غريب ولا تكلف، وهى مسجوعة، مثلها فى ذلك مثل الرسائل الشخصية فى عصرها وقبل عصرها، إذ لم يستجب الكتاب إلى دعوة ابن خلدون بتخليص الرسائل من السجع، وكأنها كانت صرخة فى فلاة، والرسالة مكتظة بالجناسات زينة الكتابات الأدبية هى وأخواتها من المحسنات البديعية. وله من رسالة يعزّى صديقا فى رزء أصابه (٥):

«كتابى هذا عن نفس مستطارة بلوعتها، وكبد مذابة بروعتها، وعن قلب شعاره برحاء (شدة) الجوى تفجعا لما فجعك، واشتراكا فى عظيم المصاب معك، وأسفا على من فقدناه فقدان


(١) انظر ديوان على الغراب الصفاقسى ص ٣٩٣.
(٢) لوحتك: خلقتك ووجودك.
(٣) الرزء: المصيبة.
(٤) مجمل تاريخ الأدب التونسى ص ٢٦٣.
(٥) نفس المصدر ص ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>