للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومخاطبات نال كل منهما فيها من صاحبه، ويذكر ابن بسام له فصلا من إحدى مخاطباته ورسائله إلى ابن الطراوة، وفيه يقول (١):

«ما حياتى بين الحيّات، وثباتى فى الجميع أو الثبات (٢) وقد حانت وفاة الوفاء، وخانت صفات الصفاء، وأردانى (٣) الزمان بأردانه (٤) وأعيانى بتقلب أعيانه. الجاهل هو الحاظى (٥) والعالم مبخوس الأحاظى (٦). . ومما أضحكنى ملء فىّ، وأطاشنى وليس الطّيش فىّ، هذا المتنحوىّ (٧) المتنّخوىّ (٨) نظمت قصيدة سميتها سهم الشهم، وضمّنتها مسائل لا تخفى على أولى الفهم، فما بلغته حتى دمغته (٩) وألقاها كأنها حية لدغته. أيها المموّه بجهله، والمدعى العلم وليس من أهله، سكرت فصحوك لا يجديك. . وكأنى بمن ضمّك قد ضامك (ظلمك)، وبمن لمّك قد لامك.

وزعم هذا الأهوج الأعوج أنه لم يعرف رسمى، ولا سمع باسمى، كأنما ولد بالأمس، أو بعث من الرّمس (القبر)، أو عمى عن الشمس».

وكأنما بلغت القيروان فى القرن الخامس عند ابن شرف وعلى الحصرى كل ما كانت تحلم به من روعة وإبداع فى الكتابة الأدبية وأسجاعها القصيرة وألفاظها المنتخبة الرشيقة، ونمضى إلى عصر الدولة الحفصية، ويرسل أبو الفضل التجّانى المتوفى سنة ٧١٨ رسالة إخوانية يتودد فيها إلى ابن عمه عبد الله التّجانى صاحب الرحلة المشهورة فى أثناء رحلته بالقسم الجنوبى من الإقليم التونسى آملا فى لقاء قريب به، وفيها يقول (١٠):

«هذا الزمن الذى أوقع ريبا واشتعل الرأس به شيبا، سرعان ما تتقهقر القواطع منه مقصرة، وتمحو ليله آية النهار مبصرة، وتلقى حبلاه من سقط الفرقة مضغة، ويرجع راجع الشباب صبغة الله (ومن أحسن من الله صبغة) وإذ كان يعيده حامل كلام، ويردّه واصل سلام، فما ظنّك به حين يلتقى المقيم والآيب، وتقبل الركائب، وتراح من جذب البرى (١١)، ويراح (١٢) إلى جنّة القرب ونار القرى (١٣) وحينئذ تتصل الأفراح، وأنشد:

من صدّ عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح (١٤)»

والقطعة مسجوعة وتحمل كثيرا من الصور وبها طباقات وجناسات واقتباس من الذكر


(١) الذخيرة ٤/ ٢٤٩.
(٢) الثبات: الجماعات.
(٣) أردانى: أهلكنى.
(٤) أردانه: أكمامه.
(٥) الحاظى: المحظوظ.
(٦) الأحاظى: الحظوظ.
(٧) المتنحوى: من النحو.
(٨) المتنخوى: المتعاظم.
(٩) دمغته: آلمت دماغه.
(١٠) مجمل تاريخ الأدب التونسى ص ٢١١.
(١١) تراح: تستريح. البرى جمع برة وهى حلقة من نحاس ونحوه توضع فى إحدى فتحتى أنف البعير لجذبه بزمام منها لتذليله.
(١٢) يراح: يرجع.
(١٣) القرى: الطعام يقدم إلى الضيف.
(١٤) براح: فراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>