للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسطنطينية بالقبض عليه وتعذيبه، وعلم فيمى بذلك الأمر، فرأى أن يستنجد بالأمير زيادة الله الأغلبى حاكم إفريقية التونسية ضد البطريق وحكومته، واستجاب إليه زيادة الله إذ رأى فى ذلك فرصة لا تعوّض للاستيلاء على صقلية، فأعدّ سريعا جيشا لفتحها، ورأى بكياسته أن يسند قيادته إلى أسد بن الفرات القاضى وشيخ فقهاء المالكية بالقيروان.

وأقلع الأسطول الأغلبى بقيادة أسد بن الفرات من ميناء سوسة فى منيصف ربيع الأول من سنة ٢١٢ هـ‍/٨٢٧ م وكان يحمل عشرة آلاف مقاتل، وأرسى بعد ثلاثة أيام على ساحل صقلية عند مدينة مازر فى الجنوب الغربى، واستطاعوا فى وقت قصير الاستيلاء على بعض المدن والحصون الجنوبية، وتقدموا إلى الساحل الشرقى حتى حاصروا مدينة سرقوسة قاطعين نحو مائتى كيلومتر إليها، وتعززوا بمدد جديد إليهم من إفريقية. وكان أسد يباشر الحصار بنفسه ويضيّق على المدينة، وانتشر مرض بين صفوف الجند العرى أودى بحياته العظيمة، فلبّى داعى ربه فى ربيع الثانى سنة ٢١٣ هـ‍/٨٢٨ م ودفن تحت أسوار سرقوسة. وخلفه على قيادة الجيش محمد بن أبى الجوارى، واستولى على جرجنت فى الجنوب بالإضافة إلى مازر، وأخذ يستعد للهجوم على مدينة قصريانة، وكانت الحملة قد أصابها عناء شديد بسبب المعارك المتصلة، وأوشكت على الانسحاب إلى إفريقية، غير أن ما نذروا أنفسهم له من الجهاد فى سبيل الله ونشر الإسلام تحت راية الشيخ أسد بن الفرات كان يطرد اليأس من نفوسهم ويشدّ أزرهم إلى أبعد حد، ولم يلبث الأمل أن ملأ نفوسهم إذ رفدهم مدد جديد من إفريقية ومن أسطول لشرصان المجاهدتن الأندلسيين سمع بحملتهم، فجاء يؤيدهم، وتوفى قائدهم محمد بن أبى الجوارى سنة ٢١٦ هـ‍/٨٣١ م فأرسل إليهم الأمير زيادة الله الأغلبى قائدا جديدا هو زهير بن عوف، فصمم على الاتجاه إلى الشمال وغزو بلرم وحاصرها برا وبحرا وضيّق الخناق عليها، وفى أثناء ذلك استولى على ماسينى سنة ٢١٩ هـ‍/٨٣٤ م وما زال يزداد شدة فى تضييق الحصار على بلرم إلى أن استيأس منها الروم، فغادروها بحرا وبرّا، تاركين المدينة مفتوحة أما مخجيش المسلمين فدخلها فى رجب سنة ٢٢٠ هـ‍/٨٣٥ م وكان بها سبعون ألفا قبل الحصار فلم يجد الجيش بها سوى ثلاثة آلاف كما يقول ابن الأثير فى تاريخه. واتخذها المسلمون هناك عاصمة لحكمهم فى الجزيرة كما كانت عاصمة لمن قبلهم، وظلت كذلك لمن يعدهم، وأخذوا فى تشييد القصور بها والمساجد والحمامات والفنادق وإقامة الأسواق بها والحدائق حولها، وحوّلوها مركزا علميا يبثّ إشعاعات نوره إلى ظلمات القرون الوسطى فى أوربا.

وتوفّى هذا القائد المجاهد العظيم زهير بن عوف سنة ٢٢١ هـ‍/٨٣٥ م وولى صقلية بعده أبو الأغلب إبراهيم بن عبد الله بن الأغلب واهتم بالحرب البحرية ونازل سفن البيزنطيين غير مرة وانتصر عليها، بل حطمها حطما، وبذلك أصبحت للأسطول الإسلامى الصقلى سمعة كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>