تدخل الرعب والفزع فى قلوب الأعداء، وكانت مطامح المسلمين المجاهدين تتجه صوب إيطاليا القريبة ديارها من مسّينى فجهز أسطولا أرسل به صوب قلوريّة بجنوبى إيطاليا فنزل بها الجند المسلمون ووصلوا إلى نهر البو سنة ٢٢٣ هـ/٨٣٨ م. ويتوفى أبو الأغلب سنة ٢٣٦ هـ/٨٥٠ م ويتولى صقلية العباس بن الفضل ويجهز أسطولا لغزو قلوريّة سنة ٢٣٩ هـ/٨٥٣ م. ويقيم بها بعض الحاميات، وخرجت مسّينى بعون من الروم عليه فأعادها سنة ٢٤٢ وأخذ يفتح الحصون فى الداخل الواحد بعد الآخر، وفتح جفلود (شفلودى) على البحر بالشمال فى نفس السنة، وشدّد الحصار على قصريانة المنيعة فى وسط الجزيرة، واستسلمت سنة ٢٤٤ هـ/٨٥٨ م بعد جهاد عنيف، وبنى العباس فيها توّا مسجدا، ونصب فيه منبرا وخطب فيه الجمعة. ولعل فى ذلك دلالة واضحة على أن قواد الفتوح فى صقلية وجنودها المسلمين كانوا يعدون غزو مدنها وحصونها جهادا فى سبيل الله. وأزعج أخذه لمدينة قصريانة الكبيرة المحصنة بيزنطة فأرسلت أسطولا يحمل مددا كبيرا من الرجال والمؤن إلى سرقوسة، والتقى به الأسطول الإسلامى الصقلى ونشبت بينهما معركة عنيفة انتصر فيها الأسطول الإسلامى، واستولى على مائة من سفن الأسطول البيزنطى، ولاذ الباقون بالفرار، ويقول ابن الأثير إن المسلمين لم يستشهد من جنودهم فى هذه المعركة البحرية سوى ثلاثة، وكأن الجنود البيزنطيين لم يلبثوا حين رأوا أسطول المسلمين وجنوده البسلاء أن ألقوا سلاحهم وسفنهم وفروا من المعركة منهزمين.
ولم يلبث هذا القائد المجاهد أن لبّى نداء ربه سنة ٢٤٧ هـ/٨٦٢ م ويتولاها خفاجة بن سفيان سنة ٢٤٨ هـ/٨٦٣ م ويحتل مدينة نوطس فى شرقى الجزيرة إلى الجنوب، وكان أهل طبرمين ينازلون المسلمين نزالا مستميتا، ورأوا أن يجنحوا إلى السلم بعد أن أعياهم القتال وطلبوا إلى القائد خفاجة أن يرسل إليهم وفدا للصلح فأرسل إليهم وفدا يفاوضهم وعلى رأسه زوجته، ومرّ بنا فى إفريقية التونسية إلى أى حد كانت المرأة التونسية تحافظ على كرامتها ومدى ما كان لها من منزلة فى نفوس التونسيين بالقيروان وغير القيروان، وهذه إحدى نسائهم تتولى السفارة لأول مرة بين قومها وأعدائهم لتضع شروط الصلح، وهى بذلك تعد أول سفيرة عربية، واستقبلها الأعداء بحفاوة واستجابوا لما وضعته من شروط الصلح، وسلموها مفاتيح المدينة، وبذلك نجحت السفارة نجاحا عظيما، فدخلها المسلمون صلحا. ولابن هذه السيدة محمد الذى كان يناضل نصارى صقلية نضالا عنيفا الفضل فى استيلاء المسلمين على مالطة سنة ٢٥٥ هـ/٨٦٩ م فإنه جهز أسطولا لفتحها ونزلها، وقضى على الحامية الرومية فيها واستولى عليها وجعلها تابعة لصقلية. ونزلتها جالية تونسية أشاعت بها لهجتها العربية، ودارت السنة فأرسلت بيزنطة أسطولا تبغى استردادها، ولم يكد يظهر له فى مياهها الأسطول الإسلامى الصقلى حتى ألقى الرعب والفزع فى قلب كلّ من فيه، فولّوا على وجوههم فرارا دون أن يخوضوا معركة، وظلت مالطة تابعة لصقلية نحو مائتين وعشرين عاما إلى أن استولى عليها