للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبض على مدبرى الفتنة فيها من بنى الطبرى وصادر أموالهم. واطمأن له الناس والتفوا حوله، وحاول إمبراطور بيزنطة فى أول حكمه أن يسترد ما استولى عليه الصقليون من شبه جزيرة قلوريّة، وأرسل لذلك أسطولا فردّه على أعقابه مخذولا، وشيّد مسجدا بها بمدينة رجيو (Reggio) ترسيخا لحكم المسلمين لها وتثبيتا، وأجبر الروم فى مدينة تارنته Tarente على أداء الجزية. وجمع هذا الوالى وقيل بل ابنه أحمد ثلاثين رجلا من وجوه صقلية وسار بهم إلى الخليفة العبيدىّ فى المهدية بإفريقية وبايعوه وخلع عليهم الخليفة. وهو رمز لدخول الجزيرة فى المذهب العبيدى، ونرى ابن حوقل-وهو من دعاة الفاطميين-يذم الصقليين ذما شديدا، مما قد يدل على أن العامة فيها لم تعتنق هذا المذهب.

ويتوفى الحسن سنة ٣٤١ ويخلفه فى حكم صقلية ابنه أحمد، وكان يشاركه فى الحكم والتدبير فاتبع سياسته العادلة الرشيدة وكانت رمطة قد خرجت على الدولة فاسترجعها، وركب البحر إلى قلوريّة وأحرق أسطول بيزنطة وأسر قائده وأرسل به مع عدد كبير من الروم إلى المعز، وشعرت بيزنطة بأن أملها فى صقلية أصبح من إحدى المستحيلات فأرسلت إلى المعز وفدا يطلب الصلح حاملا إليه هدايا ثمينة، وتعاقد الوفد معه على ترك الجزيرة له، فى مقابل إخلاء المسلمين مدينتى طبرمين ورمطة لنصارى الجزيرة، وارتضى ذلك المعز، وكانت غلطة كبيرة من أغلاطه.

وأخذ المسلمون يتلكئون فى تسليم المدينتين وعزل أحمد بن الحسن سنة ٣٥٨ وكان حسن السيرة كما يقول ابن خلدون وولّى الجزيرة سنة ٣٥٩ أخوه أبو القاسم على بن الحسن، وكانت مسّينى خرجت على الدولة واتخذها العدو مركزا لأعماله ضد المسلمين، فنازلها وحاصرها حتى أعلنت الطاعة، واستعاد مدينة رمطة وأمر بتجديد بنائها، ونازل الروم بقلوريّة ومن عاونهم من الألمان والنّرمان، واستشهد فى إحدى المعارك الطاحنة سنة ٣٧٢ ونقل المسلمون رفاته إلى صقلية. وولى بعده من الأسرة الكلبية أحد أبنائها: جعفر بن محمد وكان من أصحاب الرأى والتدبير، فأخذ يحكم صقلية حكما عادلا نزيها. وحدث فى عهده أن جارية صقلية للخليفة الفاطمى العزيز وكانت محبّبة عنده وكان لها أخ راهب بصقلية فتوسلت إليه أن يرجع إلى النصارى فيها قلاع طبرمين ورمطة وأجابها إلى مطلبها وكتب إلى واليه جعفر يأمره بإخلائها لنصارى الجزيرة، فراجع الخليفة بدهائه حتى عدل عن مطلبه. وتوفّى سريعا سنة ٣٧٥ وتولّى الجزيرة بعده ثقة الدولة أبو الفتوح يوسف بن عبد الله سنة ٣٧٧ وهو من خيرة الولاة الكلبيين، وفيه يقول ابن خلدون: «أنسى بجلائله وفضائله من كان قبله منهم» ويقول لسان الدين بن الخطيب فى أعمال الأعلام: «كانت أيام الناس فى مدته على أفضل ما يشتهون، وقد ضبط الجزيرة ضبطا محكما وظهر من كرمه وجوده على سائر الناس ما لا يحيط به وصف. وعمّ العدل والرخاء والأمن كل جهات الجزيرة» ولم يتحرك فى وجهه عدو من داخل البلاد ولا من خارجها، وزار القاهرة، واستقامت الأمور فى عهده أعظم ما يكون من الاستقامة، وكانت دار

<<  <  ج: ص:  >  >>