للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقاومة لهم سرقوسة بفضل بطلها ابن عباد الذى نظّم المقاومة فيها وفى ولاية نوطس. وبعد خمس سنوات من الاستيلاء على بلرم استولى روجّار على ثغر أو مدينة طرابنش فى الغرب وهدم سورها ووزّع أرضها على أتباعه. وبعد سنتين من استيلائه عليها استولى على طبرمين فى الشرق. وكان ابن عباد بطل سرقوسة استطاع الاستيلاء على مدينته وجهّز روجار الأول أسطولا ضخما هاجم به سرقوسة بعد أربعة عشر عاما من استيلائه على بلرم وظلت الجبهة الشرقية تقاومه مقاومة عنيفة مع سرقوسة غير أن كفة الأسطول النورمانى علت أخيرا على سفن ابن عباد، وكان يقودها بنفسه وكلما غرقت سفينة من سفنه انتقل إلى أخرى، وزلّت به القدم فى إحدى قفزاته، فتلقّته موجات البحر منحنية لبطولته، وشيّعته إلى قرارها شهيدا، ولولا ذلك لظلت سرقوسة تقاوم النورمان طويلا. وحاصر النورمان مدينة جرجنت ثلاث سنوات طوال إلى أن اضطرتها المخمصة والجوع إلى الاستسلام، وظلوا بعدها يحاصرون مدينة قصريانة وهى تضرب أروع الأمثلة فى مقاومتهم مقاومة باسلة حادة إلى أن سلّمها لهم سنة ٤٨٤ هـ‍/١٠٩١ م أميرها ابن حمود، وخشى على نفسه من أهلها أن يفتكوا به فلجأ إلى روجّار وتنصّر فيما يقال خاسرا بذلك بلده ودينه. واستسلمت مدينتا نوطس فى الجنوب الشرقى وبثيرة فى الجنوب. وبذلك استولى روجار على الجزيرة جميعها وأقل نجم الإسلام بها سنة ٤٨٤ هـ‍/١٠٩٢ م وبالمثل استولى على مالطة سنة ٤٨٥ هـ‍/١٠٩٣ م، وظل ملكا عليهما وعلى بعض أجزاء فى جنوبى إيطاليا نحو عشرين عاما حتى سنة ٤٩٤ هـ‍/١١٠١ م. وخلفه على حكم صقلية روجار الثانى وطال حكمه خمسين عاما ونيفا (٤٩٤ هـ‍/١١٠٢ م-٥٤٨ هـ‍/١١٥٤ م) وبينما كان حكم أبيه يعد دورا من أدوار الفتح الحربى وتثبيت الحكم النورمانى فى الجزيرة كان حكمه يعد دورا حضاريا للنورمان-عن طريق العرب-إذ تحضروا فى الجزيرة وامتدت آثار ذلك فى الغرب، وبالمثل حكم ابنه غليوم الأول حتى سنة ٥٦١ هـ‍/١١٦٦ م وحفيده غليوم الثانى حتى سنة ٥٨٤ هـ‍/١١٨٩ م. وتولى بعد ذلك ابن عمه طانكرد لمدة أربع سنوات ثم ابنه غليوم الثالث، وتطورت الظروف واستولى أباطرة ألمانيا على صقلية وأصبح فردريك الثانى ملكا عليها (١١٩٤ - ١٢٥٠ م).

وحرّى بنا قبل أن نترك الحديث عن الحكم النورمانى بصقلية أن نذكر أنه ظلّ لأسطول صقلية الإسلامية طويلا استعلاء فى البحر المتوسط بحيث كان يعدّ من شمالى مصر إلى الأندلس بحيرة عربية، ومرّ بنا أنه حطم الأسطول البيزنطى مرارا حتى اضطروا أن يرسلوا وفدهم خانعين مستذلين إلى المهدية يطلبون الصلح. وهذه المكانة للأسطول الإسلامى الصقلى ضاعت بضياع صقلية، واستحالت إلى مكانة للأسطول النورمانى الصقلى بحيث أصبح البحر المتوسط بين صقلية ومصر بحيرة نورمانية، وساعدت على ذلك هجرة القبائل العربية من بنى سليم وهلال إلى أفريقية التونسية وقضاؤها على الدولة الصنهاجية بالقيروان وانحيازها إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>