وكانت الجزيرة موزعة قبل فتح المسلمين لها إلى ولايتين كبيرتين: ولاية بلرم وولاية سرقوسة، ووزعها المسلمون بعد الفتح إلى ثلاث ولايات كبيرة: شرقية وجنوبية غربية ثم غربية وتضم الشمال. وجعل المسلمون لكل ولاية واليا يدير أعمالها ومعه عدد من العمال يساعدونه فى تصريف هذه الأعمال، وكان كل وال يسمى قائدا، ربما لكثرة ما كان ينهض به من الحروب ضد الحصون فى إقليمه. وكان فى كل ناحية وكل بلد قاض ومعه كاتب لتقييد الأحكام.
وكان قاضى بلرم يفصل فى القضايا المهمة، ولذلك كان يسمى المفتى. وكان السكان المسيحيون فى الجزيرة يمثلون ما يقرب من نصف سكانها وعاملهم الولاة المسلمون ونوابهم بمنتهى العدل والتسامح طبقا لتعاليم الإسلام فكان الثرى يدفع سنويا للدولة ٤٨ دينارا والفرد فى الطبقة الوسطى يدفع ٢٤ دينارا، بينما يدفع من يكسب عيشه بعرق جبينه ١٢ دينارا فحسب. ولم تكن تؤخذ ضريبة من الرهبان والقسس والنساء والعجزة والأطفال، فهم جميعا معفون من الضرائب إعفاء تاما. وكانت الضريبة السالفة تسمى خراجا وهى فى حقيقتها ضريبة دفاع. وحافظ المسلمون فى صقلية-كما حافظوا فى كل ديارهم-على مؤسسات المسيحيين الدينية من كنائس وغير كنائس، كما حافظوا لهم على قوانينهم الدينية والمدنية وعلى محاكمهم الخاصة، وأتاحوا لهم الحرية التامة فى أداء شعائرهم الدينية.
وطبيعى أن تكون بصقلية مجموعة من الدواوين للإشراف على نظام الحكم وتدبير شئونه، فكان بها ديوان المحاسبة الذى يقوم بأعمال وزارة المالية فى عصرنا، فيه خزانة الدولة، وفيه موظفون يراجعون ما يجمعه المحتسبون فى المدن والأعمال المختلفة من الضرائب. ويقول ابن حوقل إن الضرائب فيها كانت تضم:«خمسها ومستغلاتها ومال اللطف والجوالى المرسومة على الجماجم ومال البحر والهدية الواجبة فى كل سنة على أهالى قلوريّة وقبالة الصيود وجميع المرافق». ولم يسمّ ابن حوقل. الدواوين التى كانت تشرف على جمع هذه الضرائب الكثيرة، ومن الممكن بالمقابلة على النصوص الصقلية أن نعرف بعضها على الأقل فكان عندهم ديوان الخمس المشرف على ما يجمع من غنائم الحرب، فإن للدولة-كما هو معروف-خمس ما يجمع من الغنائم كما تقرر ذلك سورة الأنفال، وكان عندهم ديوان الممتلكات العقارية المستغلة.
وديوان اللطف وهو ديوان الهدايا التى كانت ترسل سنويا للخليفة الفاطمى فى المهدية والقاهرة، وديوان الجوالى وهو ديوان الجزية التى كانت تؤخذ على الرءوس أو على الجماجم كما يقول ابن حوقل. وكانت تفرض ضريبة على الوارد من البحر، وإما كان لها ديوان خاص وإما كانت تضم إلى ديوان المستغلات، وقبالة الصيود أى ضمانها بمبلغ معين ولعلها كانت تضم أيضا إلى ديوان المستغلات، ولعله هو المسمى فى بعض النصوص باسم ديوان التحقيق. وكلمة: جميع المرافق عند ابن حوقل تدل على أنهم كانوا يأخذون ضريبة على كل المنتجات وخاصة الصناعية إذ كان للصناعة ديوان خاص وقد يسمى ديوان الطراز. وكان من أهم الدواوين عندهم ديوان الإنشاء