للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتولاه أبلغ الكتاب مثل ابن الطوبى فى عهد ثقة الدولة وأبنائه. ويبدو أنه كانت فى بلرم طبقة من الشيوخ وبعض الأعيان يرجع إليها الوالى للمشورة فى بعض القضايا العامة أو بعض الأحكام، وكانت تبرز حين يؤخذ الرأى فى والى صقلية الجديد، وكثيرا ما كان يؤخذ برأيها فيه كما كان يؤخذ برأيها فى ضبط أموال الدولة.

وكانت الزراعة فى صقلية تغلّ محصولا كبيرا من القمح الذى أدخله فيها القرطاجيون وكان يغطى أجزاء كبيرة فيها بردائه الذهبى كل عام، وكانوا قد أدخلوا فيها غرس شجر الزيتون كما أدخل الإغريق غرس الكروم، وعنيها يفضل عنب اليونان، ونقل العرب إليها كثيرا من الزروع مثل القصب والأرز والقطن والبصل وكثيرا من الأشجار مثل النخيل والليمون واللوز والفستق وكثيرا من الفواكه مثل التين والبرتقال والتوت وكثيرا من الخضروات ومن الرياحين.

وفى سبيل خدمة الزراعة والحصول على إنتاج وافر حفروا القنوات والترع التى ما تزال موجودة بها إلى اليوم، واستعملوا طواحين الماء والخزانات لتوزيع المياه على الزرع والبساتين كما استعملوا النواعير والمواسير المعقوفة التى توجه مجارى المياه كما يشاءون. وبذلك أحال العرب صقلية إلى مزرعة كبيرة، تتخللها الحدائق والبساتين البديعة. وكان بها مراع واسعة يربّى بها الماعز والأغنام والمواشى، وكانت بها خيول مشهورة فى عهد البيزنطيين، وأدخل فيها العرب خيولهم، وتفوقت على الخيول البيزنطية.

وكانت فى صقلية بعض صناعات قبل نزول المسلمين بها، ولكن صناعاتها ازدهرت فى أيامهم ازدهارا واسعا بما ألقته الأرض إليهم من مناجمها فى حجورهم من الذهب والفضة والنحاس والكبريت سوى منتوجات الثروة المعدنية من الشّبّ والقطران ومنتوجات البحر المتوسط حولها من التنّ والمرجان ومختلف الأسماك. وأدخل المسلمون إليها صناعة الحرير وتطريز المنسوجات وتزيين السجاجيد بالنقوش البديعة وزركشة الثياب والجلود المصبوغة وإتقان صناعة الحلىّ. واشتهر ما كان ينتجه المسلمون من الكتّان فى الجزيرة شهرة واسعة، ويشيد بكتانها ابن حوقل جودة ورخصا، ويقول إن نسيجه مما يقطع قطعين وكان يباع بمصر من خمسين رباعيا إلى ستين، ويقول ناصر خسرو: يجلب من صقلية كتان رقيق وثياب منقوشة يساوى الثوب منها فى مصر عشرة دنانير مغربية، وفى خطط المقريزى أنه وجد لعزّة بنت المعز فى خزائنها ثلاثون ألف شقة صقلية. وكان قطع الأخشاب فى غابات جبل إتنا والغابات الشمالية يعود بغير قليل من الربح، وكانت صناعة السفن رائجة، وكان يجلب لها الخشب من جفلود والحديد من بلهرا. وكانت بالجزيرة بقاع يكثر فيها البربير، وهو البردى، وكانت مصر من قديم تصنع منه الورق للكتابة عليه، ونقل العرب عنها هذه الصناعة وكان الورق المتخذ منه لكتابة المنشورات والوثائق يسمى باسم الكاغد، ونقلت الدولة الأغلبية صناعته عن مصر إلى إفريقية

<<  <  ج: ص:  >  >>