ويذكر مأزقين لخليفتين: أموى وعباسى، هما الوليد بن يزيد بن عبد الملك، والمأمون وكيف أن لقاءهما بشخصين محنكين بصّراهما بما ينبغى أن يتخذا من سياسة إزاء باغيين عليهما، أما شيخ الوليد فقد عرض عليه مأزقا مماثلا لجده عبد الملك بن مروان وكيف أن شيخا كبير السن لقيه وهداه إلى ما ينبغى اتخاذه من السياسة والتدبير حتى ينتصر على عدوه الباغى، وضرب له مثلا أو قصة عن ثعلبين وحية وكيف أن الباغى تدور عليه الدوائر، وأما شيخ المأمون فضرب له مثلا من بغى فيروز الملك الفارسى على ملك الهياطلة الذى كان قد أسره فى بعض الحروب ورد إليه حريته بعد أن عاهده على أن لا يغزو بلده ولا يقصدها بسوء، ودارت الأيام بعد رجوعه إلى دار ملكه فصمم على غزو ملك الهياطلة وبلاده، وفى طريقة بغى أحد فرسانه على مسكين فقتله، وتصدّى له أخوه يريد مصارعته، وخوّفه الناس منه، فقال لهم: دعونى وإياه فإنه على فرس الغرور وأنا على فرس البصيرة، وهو لابس درع الشك وأنا لابس درع الثقة، وهو مقاتل بسيف البغى وأنا مقاتل بسيف الحق، وانتصر الحق على البغى وقتل أخو المسكين الفارس أو الإسوار العظيم من أساورة فيروز. ويقول الشيخ للمأمون إن فيروز لم يتعظ من هذا الحادث ومضى حتى وطئ كثيرا من أرض ملك الهياطلة، والتقيا ودارت الدوائر على فيروز وجنده ثمرة بغيه وعدوانه. ولقيت مقالة الشيخ قبولا لدى المأمون على إرسال الجيوش للباغى عليه، وكان أخاه الأمين الذى نكث عهد أبيه أن يكون المأمون ولى عهده والخليفة بعده، فنكث العهد ونشبت بينهما الحرب ضارية وانتصر جيش المأمون وقتل الأمين الذى لم يرع لأبيه عهده ولا خاف تبعة نكثه.
وخلال هذه الأمثال أو القصص التى ضربها الشيخان للمأمون والوليد تتعاقب حكم كثيرة طريفة لتوعية الحكام بآداب الحكم وما ينبغى أن يأخذوا به أنفسهم من السياسة الحكيمة للرعية ومع الأعداء. من ذلك قول ابن ظفر:«الرأى سيف العقل-كل رأى لم تتمخض به الفكرة ليلة كاملة فهو مولود لغير تمام-من دلائل الوفاء بر الآباء والأمهات وصلة ذوى القرابات-الباغى باحث عن مدية حتفه بظلفه ومتردّ فى مهاوى تدميره بمساوئ تدبيره- الهوى طاغية فمن ملكه أهلكه-الهوى كالنار إذا تحكم اتقادها عسر إخمادها، وكالسيل إذا اتصل مده تعسّر صده».