وأعجب ما جرى أنا أمنّا ... ونحن بجانب اللّيث الهصور (١)
رأى منه المليك حلى أمين ... برئ النّصح من سقم الضمير
فصدّره على الديوان سطرا ... هو البسم الذى فوق السطور
ومدّ على الرعيّة ظلّ عدل ... وقاهم لفح ألسنة الهجير
والقصيدة تطفح بالمبالغات المسرفة مثل قصيدة غليولم (غليوم) الثانى. وشخصية ثالثة من شخصيات الدولة النورمانية هى شخصية غارات بن جوش، ولم ينظم فيه قصيدة إنما كتب إليه رسالة شكر، يقول فيها إنه فارق حضرته: «ممتلئ اليد نعمة، والفم نغمة، والخاطر آمالا، والناظر أموالا، اصطناعا منها (أى الحضرة) وتفضلا أبى الله أن يصدر إلا عنها».
وإذا رجعنا إلى راعيه أبى القاسم بن الحجر الذى قصد الجزيرة من أجله وجدناه يلقّب بالقائد، وكان من الأثرياء ذوى الإقطاعات الواسعة، ويذكر ابن جبير فى رحلته أنه رأى له ولأهل بيته قصورا أنيقة فى بلرم، وقد أضفى على ابن قلاقس من الإكرام والأموال مما جعله يلهج بالثناء عليه فى قصائد كثيرة بل ما جعله يؤلف فيه كتابه الزهر الباسم من أوصاف أبى القاسم» ويشيد فى مطلع الكتاب به إشادة رائعة، ثم يصف ركوبه البحر المتوسط نثرا مسجوعا بديعا وشعرا رائعا من مثل قوله:
الناس كثر ولكن لا يقدّر لى ... إلا مرافقة الملاّح والحادى
أقلعت والبحر قد لانت شكائمه ... جدّا وأقلع عن موج وإزباد
فعاد-لا عاد-ذا ريح مدمّرة ... كأنها أخت تلك الرّيح فى عاد
ونحن فى منزل يسرى بساكنه ... فاسمع حديث مقيم بيته غادى
لا يستقرّ لنا جنب بمضجعه ... كأن حالاتنا حالات عبّاد
وهو يقول إن كثيرين من الناس مقيمون لا يبرحون ديارهم وأوطانهم، أما هو فقدّر له أن يرافق الملاحين فى لجج البحار وحداة الإبل فى فيافى الصحارى، ثم يقول إن السفينة أقلعت رافعة شراعها وقد سكن البحر وكفّ عن موجه وإزباده، وسارت السفينة فى عرض البحر المتوسط، وما هى إلا ساعات حتى هبّت ريح عاصفة أشد العصف، كأنها أخت ريح عاد الموصوفة فى الذكر الحكيم بأنها صرصر شديدة البرد عاتية ويتصور السفينة منزلا غير أنه منزل لا يستقر، وكأنه ساكن مقيم وبيته منطلق به، وهو ومن حوله لا يستقر لهم جنب فى مضاجعهم بهذا المنزل لكثرة تمايله، وكأنما هم عبّاد فهم بين راكع وساجد منكفئ على جبينه. وما زالت تلك