حال السفينة وسكانها والبحر المتوسط وجنونه حتى اقتربت السفينة من الجزيرة وثغر مسّينى فى أقصى الشمال الشرقى، وحينئذ كست البحر الرّخاء (الريح الليّنة) ثوب وقارها، وأمسكت الزّعزع (الريح العاصفة) عنه كأس عقارها (خمرها) وصحا بعد جنونه وسكره» كما يقول ابن قلاقس.
ومضى العماد فى الخريدة يقتبس من كتاب الزهر الباسم بعض المدائح التى نظمها ابن قلاقس فى أبى القاسم بن الحجر، ويتضح منها ومما تحدث به عن أبى القاسم فى الكتاب أنه لم يكن قائدا أو مساعدا من مساعدى الدولة فحسب، بل كان أيضا على رأس دواوين الدولة، ومعروف أن تلك الدولة كانت تتخذ العربية لغة رسمية لها أو على الأقل كانت مكانتها فى الدواوين لا تقل عن مكانة اللغة النورمانية، ونرى ابن قلاقس يشيد ببراعة أبى القاسم الكتابية حتى ليقول:«إن ألبس قلمه المداد عرى من الفصاحة قسّ إياد، وإن أنطق طرسه الرسائل، أخرس عن الخطابة سحبان وائل، يلزم لديه ابن العميد، سمت العبيد، ويغدو عليه عبد الحميد غير حميد، ويقول له الصاحب أنا عبد لا صاحب ونهاية الصابئ أنه بألفاظه صابئ». وهو بذلك يرفع بلاغته الكتابية فوق بلاغة قس الإيادي خطيب الجاهلية وسحبان وائل خطيب العصر الأموى وعبد الحميد الكاتب المشهور فى الدولة الأموية وابن العميد والصاحب بن عباد الكاتبين الفذين للدولة البويهية والصابئ الكاتب البغدادى المعروف فى القرن الرابع، وكان من الصابئة ويستغل اسمه فى أنه إزاء بلاغة أبى القاسم يصبأ أو يكفر ببلاغته. ومن قوله فيه بأولى مدائحه، وفيها يصف البحر وركوبه وصفا بديعا:
أنت فى الفضل فى بنى الحجر السّا ... دة مثل الياقوت فى الأحجار
وبيمناك طير يمن وسعد ... أصفر الظّهر أسود المنقار
قلم دبّر الأقاليم فالكت ... ب به من كتائب الأقدار
يا طراز الديوان والملك أصبح ... ت طراز الديوان فى الأشعار
والبيت الأول بديع، فبنو الحجر السادة أحجار كريمة، وهو بينهم ياقوت متوهج، وبيمناه قلم كأنه طير يمن وسعد، جلده-أو كما يقول ظهره-أصفر ومنقاره أسود، وهى إشارة بديعة إلى أنه يغمس فى مداد أسود، ويقول: إن هذا القلم يدبّر أقاليم الجزيرة بما يكتب من رسائل ديوانية مختلفة، سياسية وغير سياسية يصرّف بها أمور سكان الجزيرة المسلمين، ويهنئه بأنه زخرف الديوان والملك النورمانى، وانضاف إليه أنه أصبح زخرف ديوانه وأشعاره. ويقول فى قصيدة أخرى:
قد أقسم الحمد لا يشير إلى ... غير أبى القاسم بن حمّود