للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى يده للنّوال معركة ... أردى بها البخل صارم الجود (١)

وتلتقى كتبه الكتائب فى ... جيش من الخطّ صائد الصّيد (٢)

بكل لفظ كأنه نفس ... غير مملّ بطول ترديد

صحّت معانيه فانقسمن إلى ... فضل ابتكار وحسن توليد

وربما استضحك الخميس به ... عن أهرت الماضغين صنديد (٣)

فالحمد لا يعرف طريقا إلى أحد يستحقه سوى ابن حمود أو ابن الحجر الذى أقام للجود معركة تلمع فيها السيوف القاطعة للرقاب: رقاب البخل والشحّ البغيض، وإن رسائله لتخضع لها كتائب الجيوش المسلحة، وبعبارة أخرى تخضع لجيش من الخط والكتابة البليغة التى تستنزل العصاة العتاة، بكل لفظ يلذ اللسان والآذان بحسن جرسه وروعة معانيه المولدة والمبتكرة.

وليس ذلك كل ما يميز ابن حمود فإنه يتميز أيضا بالبأس والشجاعة حتى لكأنه أسد يمزق فرائسه بماضغيه أو أنيابه، أسد صنديد، شديد غاية الشدة. ولابن قلاقس مدائح وأشعار كثيرة بديعة فى ابن الحجر، من ذلك قوله:

إن ابن حموّد له راحة ... تستجلب الحمد من المرزم (٤)

فى كلّ يوم لوفود النّدى ... ببابه مجتمع الموسم

للمال من راحته عندهم ... أضعاف ما للماء من زمزم

ولو أعار الليل آراءه ... ما احتاج ساريه إلى الأنجم

فضائل كادت لإفراطها ... تنطق بالشكر فم الأبكم

وهو يقول إن راحة ابن حمود ما تزال تهطل بالجود، حتى لكأنما تريد أن تجلب لنفسها الحمد من نوء المطر وغيثه المدرار، ويبالغ فى مديحه فيقول كل يوم تجتمع الوفود ببابه وتأخذ من ماله أضعاف ما يأخذ الناس من ماء زمزم، ولو أنه أقرض الليل آراءه ما احتاج ساريه إلى نجوم تهديه فى جنح الظلام. فضائل ليس لها مثيل تكاد تنطق فم الأبكم بالشكر والامتنان. ونراه يقوم برحلة بحرية إلى سرقوسة فى شرقى صقلية، ويبدأ فيها بمدينة ثرمة فى الشمال شرقى بلرم، وغادرها سريعا لحرارتها الشديدة حتى لكأنه شرب فيها ماء المهل أو شراب الكفار فى جهنم أو كأنما طعم شجرة الزقوم طعام الكفار فى النار الحامية، واتجه شرقا إلى جفلود، وشاهد رياضها


(١) صارم: سيف.
(٢) الصيد جمع أصيد: السيد.
(٣) الخميس: الجيش. أهرت الماضغين: واسع الشدقين. صنديد: شجاع.
(٤) المرزم: نوء كثير المطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>