إذا تقدم جيشه وبقى فى جمع قليل حاصره واستشهد البطل المغوار هو ومن معه سنة ٦٣ هـ. ومضى كسيلة بجموعه حتى استولى على القيروان ونصب نفسه ملكا على البلاد، وتراجع زهير بن قيس إلى برقة منتظرا لمدد ضخم، وكان قد توفى يزيد بن معاوية واضطربت الأمور حتى إذا أصبح زمام الخلافة بيد عبد الملك بن مروان أرسل إليه جيشا وولاه على المغرب سنة ٦٩ هـ/٦٩٠ م وواقع كسيلة، وأنزل الله نصره عليه وعلى المسلمين وقتل فى الواقعة كسيلة المرتد الباغى الأثيم. ورأى زهير بعد هذا النصر العظيم أن يعود إلى المشرق، وبينما هو فى نفر قليل من أصحابه عند برقة-وقيل عند طرابلس-إذ هو يرى بعض سفن للروم وهم يسوقون أمامهم بعض المسلمين فنازلهم وكتبت له عند ربه الشهادة.
وفى سنة ٧١ يرسل عبد الملك بن مروان إلى المغرب حسان بن النعمان أحد ولاة القيروان العظام فى القرن الأول الهجرى ورأى فى بدء حكمه بثاقب بصيرته أن البلاد لن تهدأ ما دامت قرطاجة لم تستسلم وما دامت بها الجالية الرومية الكبيرة التى تنزلها، والتى تتجسس منها لحساب بيزنطة والتى تعيث وتفسد فى البلاد موغرة صدور البربر على العرب بكل وسيلة، فحاصرها وافتتحها وفرّت كثرة الروم إلى البحر المتوسط وما وراءه، وهدم أسوارها حتى لا يتجمعوا فيها مختبئين مرة ثانية، وطهّر ميناء بنزرت وشمال إفريقية التونسية من الروم، وفرض الجزية على من بقى على دينه المسيحى منهم ومن البربر. ومنذ أوائل عهده اشتعلت فتنة كبرى بقبيلة جراوة من قبائل زنانة بجبال أوراس فى الجزائر بزعامة كاهنة هناك، ونازلها بجيش جرار قرب باغاية شمالى جبال الأوراس وانهزم المسلمون وطاردتهم حتى قابس، ومكث بمدينة سرت فى ليبيا خمس سنوات ينتظر المدد من الخليفة عبد الملك، وجاءه مدد ضخم سنة ٨٠ واشتبك مع الكاهنة فى حرب ضروس بجبال الأوراس، حتى كانت الموقعة الفاصلة فانهزمت الكاهنة مع جيشها، وولّت وجهها نحو تبسّه هاربة ولحقتها كتيبة فتكت بها، واستأمن إليه من بقى من جيشها على الإسلام فأمّنهم وأمّن سكان أوراس الجزائريين جميعا على أن يكون منهم اثنا عشر ألفا مجاهدين معه، فأجابوا وأسلموا وحسن إسلامهم وولّى أكبر أبناء الكاهنة على قومه من جراوة وعلى جبل أوراس، وأكرمهم وأكرم أبناء الكاهنة، فملك قلوب الجزائريين وساد الأمن والهدوء. وكان حسان سيوسا، فنظم البلاد تنظيما إداريا وماليّا محكما إذ دوّن الدواوين: ديوان الجند وديوان الخراج وديوان الرسائل. وأصلح القنوات للرىّ، وأقام لإفريقية التونسية ميناء جديدا ليكون قاعدة لأسطول لها يحمى السواحل من غزوات الروم، مما جعله ينشئ مدينة تونس، ويلحق بها دار صناعة كبرى، وسرعان ما أنشأ أسطولا ضخما وضرب للبلاد سكة جديدة.
وخلفه موسى بن نصير سنة ٨٦ فعمل على استكمال نشر الإسلام فى ربوع المغرب، وأرسل حملات إلى أنحاء كثيرة ثم قام بحملته الكبرى فاكتسح بلاد المغرب حتى طنجة وإقليم