للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها عامين، تخرج فيهما سراياه للفتح بعد الفتح. وكانت الزعامة فى الجزائر حينئذ لقبيلة أوربة البرنسية ورئيسها أو زعيمها كسيلة وكان نصرانيا وأخذ يستعد استعدادا واسعا للقاء أبى المهاجر، ولقيه بجيش كثيف من الروم والبربر بالقرب من تلمسان ودارت عليه وعلى جيشه -كما مرّ بنا فى الفصل الماضى-الدوائر، ووقع أسيرا فعامله أبو المهاجر معاملة سمحة، جعلته يدخل-وتدخل معه قبيلته أوربة-فى الدين الحنيف. وخلف أبا المهاجر فى ولاية القيروان والبلاد المغربية عقبة بن نافع سنة ٦٢ هـ‍/٦٨٣ م فرأى أن يقتحم الجزائر والمغرب الأقصى جميعا، وأعدّ جيشا ضخما أخذ يهزم به البربر ومن اجتمع إليه من الروم حتى أوطأ حافر حصانه مياه الأطلسى. ومنذ هذا التاريخ أصبحت البلاد المغربية جميعها من أدناها إلى أقصاها بلادا إسلامية. غير أن عقبة كان قد عامل كسيلة الأوربى معاملة أغضبته وصمم على الانتقام، حتى إذا كان عائدا بالجيش فى المغرب الأوسط وتخلف عنه مع فرقة صغيرة بالقرب من طبنة هجم عليه كسيلة مع جنود من الروم والبربر كان قد أعدهم لمثل هذه الفرصة، واستشهد البطل العظيم عقبة. وانتقم له خليفته زهير بن قيس فنازل كسيلة فى موقعة ضارية خرّ صريعا فيها وتفرّق من معه فى البلاد والجبال. وعاد زهير فتولّى البلاد المغربية بعده حسان بن النعمان فرأى أن يفتتح قرطاجة التى كان ينزل فيها الروم ويحاولون الاتصال بالبربر للحرب والإفساد، وفر كثير من الروم إلى البحر ومن بقى منهم فرضت عليه الجزية. وكانت كاهنة بربرية تتزعم البربر فى جبال أوراس بالجزائر قد أعلنت الحرب على حسان والعرب، ولقيها حسان ولم يكتب له النصر فانسحب انتظارا لمدد يأتيه من الخليفة عبد الملك بن مروان وأتاه المدد سنة ٨١ هـ‍/٧٠٠ م فنازلها وسحق جيشها سحقا ذريعا وأمّن من بقى منه وأمّن سكان أوراس فى الجزائر جميعا وولّى أكبر أبناء الكاهنة على قبيلته جراوة وجبل أوراس، واتخذ من قومه كتيبة فى جيشه عدادها اثنا عشر ألفا. ومن حينئذ أصبحت الجزائر عربية إسلامية تعتنق الدين الحنيف وتجاهد فى سبيله عن إيمان وإخلاص. ويخلف حسانا على القيروان والبلاد المغربية موسى بن نصير سنة ٨٦ هـ‍/٧٠٥ م فيمكن لهذا الامتزاج التام بين العرب والبربر فى الجيش وحكم المدن وفى جميع الحقوق والواجبات، ويعمل بكل ما استطاع على نشر الدين الحنيف بين البربر، ويتوّج ذلك بالبعثة التى أرسلها الخليفة عمر بن عبد العزيز لنشر الدين الحنيف وتعاليمه فى البلاد المغربية.

وبذلك أصبحت الجزائر-مثل بقية البلاد المغربية-عربية إسلامية، وحقا ولى على البلاد المغربية منذ أوائل القرن الثانى الهجرى ولاة أمويون باغون أساءوا حكم البربر سوءا شديدا فلم يسوّوا بينهم وبين العرب فى الحقوق وظلموهم فى الخراج والضرائب ظلما شديدا، وعرفوا دعوة الخوارج وما يدعون إليه من المساواة التامة بين جميع المسلمين عربا وغير عرب فى كل الحقوق حتى فى ولاية الأمة وخلافتها أو إمامتها، فليس من الحتم أن يكون الخليفة قرشيا بل

<<  <  ج: ص:  >  >>