سنة ٦٣٨ هـ/١٢٤١ م ويقول الغيرينى إنه كان أعلم الناس بالطبيعيات والإلهيات، وإنه كان يقرأ عليه مع بعض الطلاب كتاب النجاة لابن سينا فيوضح منه ما يليق ويقرره بأحسن طريق ثم ينقضه ويوهنه. ونزل بجاية بعده من مالقة أحمد بن خالد المتوفى حوالى سنة ٦٦٠ هـ/١٢٦٢ م وكانت له مشاركة فى الفلسفة فى الطبيعيات والإلهيات، وكان طلاب بجاية يقرءون عليه كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا من فاتحته إلى خاتمته. وكان يعاصره ابن أساطير على بن عمران المليانى المتوفى سنة ٦٧٠ هـ/١٢٧١ م وهو من تلامذة الحرالى ومن خواصهم، وكان الطلاب يقرءون عليه أيضا كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا. ونمضى إلى تلمسان فنلتقى بالشريف الحسنى التلمسانى المتوفى سنة ٧٧١ هـ/١٣٦٩ م والذى انتهت إليه إمامة المالكية بالمغرب، ويقول يحيى بن خلدون إنه لم يكن يعزب عن علمه فن عقلى ولا نقلى، وكانت تقرأ عليه كتب ابن سينا من مثل الإشارات والتنبيهات وكتاب الشفاء كما كانت تقرأ عليه تلاخيص ابن رشد لفلسفة أرسطو وبعض كتب التعاليم الرياضية فضلا عما كان يقرأ عليه من كتب الدراسات الدينية وما كان يلقيه من محاضرات فى تفسير الذكر الحكيم.
ومنذ القرن التاسع الهجرى يقل القول بأن هذا الفقيه أو ذاك درس الحكمة أو درس معقولات الحكماء أو له مشاركة فى الحكمة أو كان حاذقا فى الطبيعيات والإلهيات أو كان يقرأ عليه كتاب النجاة أو كتاب الشقاء لابن سينا فقد أخذ يحل محل ذلك أنه من أهل الورع والنسك أو من أهل التصوف أو أنه من المتصوفة أو الأولياء الكبار مكاشف يتبرّك به أو أنه متصوف من أهل العرفان أو أنه من العلماء الصالحين الأولياء أو زاهد ورع ذو كرامات أو من أهل الخلوة ترك الدنيا وما فيها أو سالك طرق المتصوفة أو سنن الفضلاء الصلحاء الأمجاد إلى غير ذلك من نعوت تدل على انغماس الفقهاء مع الشعب فى التصوف وطرقه الكثيرة التى عمت الجزائر وخاصة الطريقة الشاذلية وفروعها المتعددة، وكلما قطعنا شوطا أو شطرا من الزمن فى العهد العثمانى ازدادت موجة التصوف-كما مر بنا فى الفصل الماضى-حدة، وازدادت المؤلفات فيه وفى شيوخه وأقطابه وفرة.
على أن فرعا من فروع الفلسفة ظل مزدهرا فى حلقات الشيوخ بالجزائر حتى نهاية هذا العصر ونقصد علم المنطق، وقد ألف فيه الحرالى المار ذكره كتابا سماه «المعقولات الأول». وألف الخونجى المتوفى سنة ٦٤٨ هـ/١٢٥٠ م كتابا فى المنطق سماه:«الجمل فى المنطق» تداوله علماء الجزائر سريعا يدرسونه للطلاب ويشرحونه. ويقال إنه لم يكن يوجد ببجاية فى القرن السابع الهجرى أعلم بكتاب الجمل للخونجى من عبد الوهاب بن يوسف المتوفى سنة ٦٨٠ هـ/١٢٨١ م. وللشريف الحسنى التلمسانى المار آنفا شرح للجمل، يقول ابن مريم فى كتابه البستان إن العلماء انتفعوا به وأكبّوا عليه قراءة ونسخا. ولابن قنفذ القسنطينى شرح