الخليفة المؤيد منذ سنة ٣٦٦ إلى ٣٩٢ فاحتفى به. يقول ابن بسام فى الذخيرة إنه اتخذه نديمه إذ كان من أمتع الناس حديثا وأنصعهم ظرفا، وأحذقهم بالملاطفة وآخذهم بالقلوب، وكان عالما لغويا يقول القفطى:«كان من أهل العلم بالآداب واللغات والأشعار، روى الناس عنه علما كثيرا، وكان كثير الإغراب» توفى سنة ٤١٥ هـ/١٠٢٤ م ونشّأ ابنه عبد الملك- وكان محدثا-تنشئة لغوية جيدة حتى ليقول السيوطى فى البغية إنه كان إماما فى اللغة له رواية وسماع. وتنهض الدولة الحمادية بالقلعة عاصمتها الأولى وبجاية عاصمتها الثانية نهضة علمية خصبة حتى نهاية مدتها سنة ٥٤٧ وتظل النهضة مطردة فى العاصمتين وتجتذبان كثيرا من علماء الأندلس، كما مر بنا، فضلا عن علماء المدن والأصقاع الجزائرية. وينزل بجاية المحدث الأندلسى الكبير عبد الحق الإشبيلى المتوفى سنة ٥٨١ هـ/١١٨٥ م ويتولى بجامعها الأعظم الخطبة وصلاة الجمعة كما يتولى بها القضاء، ويؤلف فى غريب القرآن الكريم والحديث النبوى كتابا ضخما فى ثمانية عشر مجلدا سماه الحاوى ضاهى به كتاب الغريبين فى القرآن والحديث للهروى. وللفقيه التلمسانى محمد بن عبد الحق المتوفى سنة ٦٢٥ هـ/١٢٢٧ م كتاب فى غريب الموطأ للإمام مالك. وكان يعاصره يحيى بن عبد المعطى الزواوى المتوفى سنة ٦٢٨ هـ/١٢٣٠ م من كبار علماء العربية، وكان قد أخذ يكثر فى الجزائر نظم العلوم والمعارف، وقد نظم معجم الجمهرة فى اللغة لابن دريد، وحاول نظم معجم الصحاح للجوهرى ولم يكتب له أن يتمه.
وكان محمد بن الحسن بن ميمون القلعى المتوفى سنة ٦٧٣ هـ/١٢٧٤ م يقرأ للطلاب ببجاية كتاب الأمالى للقالى وكتاب زهر الآداب للحصرى ومقامات الحريرى ومنتخبات من شعر أبى تمام والمتنبى، وكان شاعرا ونحويا كبيرا مثل ابن عبد المعطى. وكان يعاصره أحمد بن يوسف اللّبلى نزيل بجاية المتوفى بها سنة ٦٩١ هـ/١٢٩٢ م وله شرح على كتاب الفصيح لثعلب وكتاب فى التصريف ضاهى به كتاب الممتع لابن عصفور. ومن لغويى القرن السابع الهجرى ونحاته الكبار يوسف بن يخلف الجزائرى وكان يدرس لطلابه فى بجاية شعر أبى تمام والمتنبى والأشعار الستة برواية الشنتمرى المسندة إلى الأصمعى، وهى دواوين امرئ القيس وزهير والنابغة وطرفة وعنترة وعلقمة ودواوين أبى العلاء: سقط الزند واللزوميات والحماسة للتبريزى والمرزوقى وإصلاح المنطق لابن السكيت والأمالى لأبى على القالى والمقامات وغير ذلك من الكتب الأدبية. ولعل فى عمل ابن يخلف اللغوى ببجاية ما يدل بوضوح على مدى العناية الواسعة فيها بمدارسة كتب اللغة والأدب ودواوين الشعر الجاهلية وغير الجاهلية. ولابن مالك كتاب لامية الأفعال عنى به غير جزائرى، ولابن العباس محمد التلمسانى المتوفى سنة ٨٧١ هـ/١٤٦٧ م شرح عليها نوّه به معاصروه. وتكثر الشروح للأشعار وخاصة قصيدة البردة النبوية للبوصيرى، ومن أهم شروحها شرح سعيد العقبانى المتوفى سنة ٨١١ وشرح ابن مرزوق الحفيد