للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى الأغانى أن حسانا وكعبا «كانا يعارضان شعراء قريش بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر ويعيّرانهم بالمثالب، وكان عبد الله بن رواحة يعيّرهم بالكفر، فكان فى ذلك الزمان أشدّ القول عليهم قول حسان وكعب وأهون القول عليهم قول ابن رواحة، فلما أسلموا وفقهوا الإسلام كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة» (١). ومن المؤكد أن حسانا وكعبا كانا يرميان قريشا عن بصيرة حين غلبت على هجائهما صورة الهجاء القديمة، لأنها هى التى كانت تؤذى نفوس القرشيين المكّيين ولو أنهما رمياهم بالشرك وعبادة الأوثان لما نالا منهم، إذ كانت تلك عقيدتهم وكانوا يعتزّون بها، ومن ثم اتجه حسان وكعب هذه الوجهة، فطعنا فى الأحساب والأنساب، وعيّرا سادتهم وفرسانهم بالفرار من الحرب وتوعداهم بالبلاء المستطير. وطبيعى لذلك أن لا نجد عندهما تأثرا واضحا بمثالية القرآن الكريم فى ذم المشركين، إذ نراه خاليا من الشتم والسباب والطعن فى الأعراض والأحساب، وأيضا فإنه لا يتوعد المشركين بحرب مبيرة تأتى على الشيب والشبان، إنما يتوعدهم بالنار، ومع ذلك يفتح الأبواب واسعة لرحمة الله وغفرانه وتوبته على المشركين الذين يثوبون إلى عقولهم ويدخلون فى دينه الحنيف.

وكان يشرك شعراء قريش فى التأليب على رسول الله وأنصاره وأصحابه نفر من شعراء اليهود نكثوا ما عاهدوه من الموادعة وحقوق الجوار (٢) وأخذوا يهجونه هو والمسلمين ويخذّلون عنه قريشا والعرب، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. وكان من رءوسهم فى هذا الفساد كعب بن الأشرف (٣)، وقد بلغ من سوء فعله أن كان يشبّب بنساء الرسول ونساء المسلمين، مما جعل محمد بن مسلمة يقتله فى رهط من الأنصار (٤). غير أن اليهود لم يرتدعوا وأخذوا يعملون سرّا وجهرا على تقويض الدعوة المحمدية، فاضطر الرسول إلى إجلائهم عن المدينة، حتى إذا انتهينا إلى خلافة عمر رأيناه ببصيرته النافذة يأمر بإجلائهم عن الجزيرة.


(١) أغانى ٤/ ١٣٨.
(٢) السيرة النبوية (طبع الحلبى) ٢/ ١٤٧.
(٣) أغانى (طبعة الساسى) ١٩/ ١٠٦.
(٤) ابن سلام ص ٢٣٨ والسيرة النبوية ٣/ ٥٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>