للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصّن به دين النبىّ محمد ... وأقم به أود الزمان الأعوج

لهجت ببيعته النفوس فأخذها ... من واجب الأشياء لو لم تلهج

عود النبوّة والخلافة أصله ... والفرع من تلك العروق الوشّج (١)

وارم المشارق باسمه فليفتحن ... ما بين مصر إلى بلاد الرّخّج (٢)

وواضح أنه كان يضع نفسه فى خدمة الخلافة الأموية بالأندلس ومناصرتها والاحتطاب فى حبلها إلى أن توفى سنة ٣٩٤ هـ‍/١٠٠٣ م. وكان قد هاجر معه إلى قرطبة أخوه على وأنجب ابنا له هو أبو مضر زيادة الله، وعنى بتربيته وأصبح-فيما بعد-نديما للمنصور بن أبى عامر حاجب هشام المؤيد ثم لولديه من بعده عبد الملك المظفر وأخيه عبد الرحمن الملقب بشنجول، وحين قام بالحجابة بعد وفاة أخيه أرغم الخليفة هشاما المؤيد على أن يعهد إليه بولاية العهد، ولما دخلت الوفود عليه للتهنئة كان مما هنّاه به (٣):

تخيّر الله والسلطان للأمم ... ولىّ عهد براه الله من كرم

اختاره الله للإسلام يحفظه ... وخصّه بعلوّ القدر والهمم

وكان صنيع شنجول المذكور سببا فى القضاء عليه وفى فتنة قضت على الدولة الأموية فى الأندلس، وكان حريا بالشاعر أن يتريث وأن لا يكيل الثناء لشنجول، إذ مضى يمدحه بقصائد أخرى. وكان لزيادة الله ابن يسمى عبد الملك عنى بتأديبه ويقول ابن سعيد بترجمته له فى كتابه المغرب إنه كان إماما فى علم الحديث وكان شاعرا وأشعر منه ابن أخيه على بن عبد العزيز، وفيه يقول الحجارى إنه أشعر بنى الطبنى وأنشد له ابن سعيد أشعارا فى الخمر والغزل.

وإذا كانت طبنة عاصمة الزاب القديمة أهدت إلى قرطبة أسرة بنى الطبنى فى القرن الرابع الهجرى وكل ما نظمه أفرادها من الشعر فإن قرطبة بدورها لم تلبث بعد نزول تلك الأسرة فيها بقليل أن أهدت إلى المسيلة عاصمة الزاب الحديثة وواليها من قبل العبيديين منذ سنة ٣٣٤ هـ‍/٩٤٥ م جعفر بن على بن حمدون وكان قد خلف فيها أباه الذى أسسها-كما مرّ بنا-وكانا قد اتسعا فيها بالعمران وأصبحت مدينة شامخة وقصدها الشعراء والعلماء، وممن اختارته قرطبة لقصد جعفر فيها شاعرها الفذ ابن هاني، وله فيه مدائح رائعة خلدت اسمه، ومن قوله فيه (٤):

المشرقات النيّرات ثلاثة ... الشمس والقمر المنير وجعفر


(١) الوشج: الملتفة المتشابكة.
(٢) بلاد الرخج: بلاد بالقرب من مدينة كابل فى أفغانستان.
(٣) انظر البيتين التاليين وأبياتا أخرى فى تهنئة شنجول بولاية العهد فى أعمال الأعلام لابن الخطيب ٢/ ٩٤ وما بعدها ولقب الشاعر محرف.
(٤) راجع أشعار ابن هاني فى ديوانه المطبوع بالهند.

<<  <  ج: ص:  >  >>