للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول مخاطبا له فى إحدى مدائحه:

لم تدننى أرض إليك وإنما ... جئت السماء ففتّحت أبوابا

ورأيت حولى وفد كلّ قبيلة ... حتى توهمت العراق الزّابا (١)

أرض وطئت الدرّ من حصبائها ... والمسك تربّا والرّياض جنابا

وسمع بالشاعر ومدائحه فى جعفر الخليفة المعز العبيدى الفاطمى فطلبه منه، ولم يستطع مخالفته فجهزه إليه، وأحسّ حينما بعد عن المسيلة والزاب كأنما فارق فردوسه، وصوّر ذلك فى إحدى قصائده منشدا:

خليلىّ أين الزّاب منى وجعفر ... وجنّات عدن بنت عنها وكوثر

وقبلى نأى عن جنّة الخلد آدم ... فما راقه من جانب الأرض منظر

وهو يتحسّر على فراقه للزاب وجعفر، فقد فارق جنّة الخلد ونهرها «الكوثر» كما فارقهما أبوه آدم قبله، ولم ينفعه ندمه ولا أسفه ولا تحسره، ولا راقه بعدهما مشهد فى الأرض ولا منظر. وإذا كانت الجزائر أهدت إلى الشعر العربى شاعرا كبيرا فى القرن الثالث الهجرى هو بكر بن حماد فإنها أهدت إليه فى النصف الثانى من القرن الرابع شاعرين كبيرين هما عبد الله بن محمد التنوخى المعروف باسم ابن قاضى مدينة ميلة الواقعة إلى الشمال الغربى من مدينة قسنطينة، واشتهر بمدحة فائية مدح بها والى صقلية يوسف ثقة الدولة وسنخصه بترجمة. والثانى عبد الكريم النهشلى المسيلى شاعر المنصور الصنهاجى وابنه باديس، وسنفرد له ترجمة. وقادت الدولة الحمادية فى القلعة وبجاية طوال القرن الخامس الهجرى حركة أدبية وعلمية نشيطة، وارتحل إلى أمرائها الشعراء ليمنحوهم الجوائز والصلات من أمثال ابن الفكاه أبى القاسم عبد الخالق القرشى القيروانى مادح الناصر بن علناس (٤٥٤ - ٤٨١ هـ‍) وفيه أنشد (٢):

قالت سعاد وقد زمّت ركائبنا ... مهلا عليك فأنت الرائح الغادى

فقلت تالله لا أنفكّ ذا سفر ... تجرى بى الفلك أو يحدو بى الحادى

حتى أقبّل ترب العزّ منتصرا ... بالناصر بن علنّاس بن حمّاد

وكان ابنه المنصور (٤٨١ - ٤٩٨ هـ‍) كاتبا شاعرا وفيه يقول ابن خلدون: «هو الذى حضّر ملك بنى حماد وصيّر بجاية دار المملكة وجدّد قصورها وشيّد جامعها وتأنق فى اختطاط المبانى وتشييد المصانع واتخاذ القصور وإجراء المياه فى الرياض والبساتين، فبنى فى القلعة قصر المنار والملك والكوكب وقصر السلام وبنى فى بجاية قصر اللؤلؤة وقصر أميميون». ونزل به عبد الجبار بن حمديس شاعر صقلية الفذ فقلده صلات سنية وقلده ابن حمديس قصائد باهرة،


(١) الزاب: أرض سهول فى وسط الجزائر وراء جبال الأوراس شرقا.
(٢) أعمال الأعلام لابن الخطيب (طبع الدار البيضاء) ٣/ ٩٦ زمت ركائبنا: شدت بالزمام استعدادا للرحيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>