للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها رائية بديعة يصف فيها أحد قصوره وما امتد أمامه من بهو يتوسطه حوض كبير به نافورة تحملها مجموعة من الأسد المذهبة تمج المياه البلورية من أفواهها إلى بركة محيطة بها، وفوقها شجرة ذهبية ترصّع أغصانها طيور بمناقيرها مياه كمتناثر اللآلى الصافية، يقول (١):

قصر لو انّك قد كحلت بنوره ... أعمى لعاد إلى المقام بصيرا

أذكرتنا الفردوس حين أريتنا ... غرفا رفعت بناءها وقصورا

فلك من الأفلاك إلا أنه ... حقر البدور فأطلع المنصورا

وضراغم سكنت عرين رئاسة ... تركت خرير الماء فيه زئيرا (٢)

وكأنما غشبى النضار جسومها ... وأذاب فى أفواهها البلّورا (٣)

وبديعة الثمرات تعبر نحوها ... عيناى بحر عجائب مسجورا (٤)

قد صوفحت أغصانها فكأنما ... قبضت بهنّ من الفضاء طيورا

خرس تعدّ من الصّفاح فإن شدت ... جعلت تغرّد بالمياه صفيرا

وأبيات القصيدة جميعها درر نفيسة على هذه الشاكلة، حتى ليقول المقّرى بعد إنشاده لها فى كتابه «نفح الطيب»: «لم أر لهذه القصيدة فى لفظها ومعناها من نظير». ومعروف أن العماد الأصبهانى ترجم فى كتابه الخريدة لشعراء العالم العربى فى القرن السادس الهجرى، وقد ترجم لنفر (٥) من شعراء الدولة الحمادية نقل ترجماتهم عن كتاب المختار من النظم والنثر لابن بشرون المهدوى القيروانى مع نعته لهم بأنهم من المقلين، وهم ثلاثة: على بن الزيتونى الشاعر ويوسف بن المبارك وابن أبى المليح الطبيب، وقال عن على بن الزيتونى إنه شاعر المغرب الأوسط (الجزائر) وأديبه، وألمعيّه وأربيه، وهو صاحب توشيح وتوشيع وتقصيد وتقطيع، وأنشد له قطعة من قصيدة فى مديح قاض، وفيها يقول:

نهاه عن محارمه نهاه ... وقرّبه لخالقه تقاه (٦)

وشدّ به عرى الإسلام حتى ... رأينا النّجح وانعقدت عراه (٧)

أمين عدله غمر البرايا ... فما يخشى على أحد قضاه

لقد ظفرت يد علقت نداه ... ومن ناواه قد تبّت يداه (٨)


(١) ديوان ابن حمديس (تحقيق د. إحسان عباس).
(٢) عرين الأسد: مأواه.
(٣) النضار: الذهب
(٤) مسجورا: مملوءا.
(٥) انظر فيهم وفى الأشعار التالية الخريدة (قسم المغرب) طبع تونس ١/ ١٨٠ وما بعدها.
(٦) النهى: العقل.
(٧) عرى الإسلام: مواثيقة التى لا تنفصل عنه.
(٨) تبّت: خسرت خسرانا كبيرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>