وهو يمدح أبا تاشفين بما أسبغ الله عليه من مجد ومن كرم فياض، ويقول إنه يعد إلى الأعداء كتائب تضرب خيلها الأرض بحوافرها الصلبة ويضرب فرسانها الأعداء ضربات مصمية، وإنه ليهاب كليث فى وعيده ويرجى كغيث فى وعده، ودائما يحمى الرعية برعايته ويحييهم بما يسبغ عليهم من عطاء ورخاء مع ما يكلفهم به من العدل والفضل ويشملهم به من الرفق والجود والكرم المدرار. ويلحق الشاعر عصر أبى زيان (٧٩٦ - ٨٠١ هـ) وفيه يقول من ميلادية طويلة:
لئن كان بحرا فى العلوم فإن فى ... بنان يديه للنّدى أبحرا عشرا
وما همّه إلا كتاب وسنّة ... بنسخهما قد أحرز الفخر والأجرا
فنسخ كتاب الله جلّ جلاله ... ونسخ البخارى ضامنان له النّصرا
ومن كان يعتدّ الشفاء شفاءه ... فمن علل الأوزار فى نسخه يبرا
ولم أدر والأوراق راقت بخطّه ... أمسكا على الكافور ينثر أم حبرا
ألا هكذا فليسم للمجد من سما ... ويجرى لآماد الفضائل من أجرى
وكان أبو زيان كلفا بالعلم كما وصفه التنسى ولم يخل مجلسا له من مناظرة أو مذاكرة ومحاضرة، وكان غيثا مدرارا فى الجود والكرم، وجعل همه-كما يقول الثغرى والتنسى- كتابة نسخ من المصحف الشريف، وتحتفظ الخزانة العامة للرباط بإحدى هذه النسخ النفيسة، وهى على رق غزال ومحلاة بالذهب وجميع ما فيها من أسماء الله الحسنى مكتوب بالذهب وكتب نسخة من صحيح البخارى ونسخا من كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلّى الله عليه وسلم للقاضى عياض. وبحق ما يقوله الثغرى من أن من يعتد شفاء القاضى عياض شفاء له يبرأ به من جميع الأوزار فما بالك بمن يعتد بالبخارى وأهم من ذلك وأعظم بالقرآن الكريم. ويقول الثغرى إن من يرى المداد على تلك الأوراق إنما يرى مسكا منثورا على الكافور، وما أعظمه من مجد حققه لنفسه أبو زيان، وهو مجد خليق بأن يتسابق إليه المتسابقون ويتنافس فيه المتنافسون. ولم تذكر المراجع متى توفى الثغرى، وأكبر الظن أنه توفى فى آخر القرن الثامن أو فى أوائل التاسع الهجرى.