للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضّا نلت ما ترضين من كل ما يهوى ... فلا توقفينى موقف الذلّ والشكوى

وصفحا عن الجانى المسيء لنفسه ... كفاه الذى يلقاه من شدة البلوى

قفى أتشكّى لوعة البين ساعة ... ولا يك هذا آخر العهد بالنّجوى

قفى ساعة فى عرصة الدار وانظرى ... إلى عاشق ما يستفيق من البلوى (١)

وكم قد سألت الرّيح شوقا إليكم ... فما حنّ مسراها علىّ ولا ألوى (٢)

فيا ريح حتى أنت ممن يغاربى ... ويا نجد حتى أنت تهوى الذى أهوى

خلقت ولى قلب جليد على النّوى ... ولكن على فقد الأحبّة لا يقوى

وهو يلتمس رضا صاحبته وأن لا تقفه شاكيا من حبه متذللا، وأن تصفح عما قد تظن من تجنّيه فكفاه ما يلقى من محنة الحب، ويسألها أن تقف ليشكو لها لوعة البين والبعد ساعة أو بعض ساعة آملا أن لا يكون هذا آخر العهد بلقائها ونجواها، بل إنه يسألها أن تقف لحظة فى ساحة الدار وتنظر إلى ما اعتراه فى محنة الحب وبلواه، ويقول إنه ليسأل الريح المقبل من دارها عنها فلا تحن عليه ولا تعطف، فحتى الريح تغار منه، ويخال كأنها أخت ليلى معشوقة المجنون ساكنة نجد، وحتى نجد تهواها وتهيم بها، ويقول إن قلبه يتحمل النوى والفراق، ولكنه لا يتحمل فقد الأحبة. وكان يعاصره بتلمسان أبو عبد الله محمد بن البناء ويقوّل يحيى بن خلدون عنه إنه «كاتب شاعر متخلق ظريف» وينشد من غزله (٣):

عيد وغيد؟ ؟ ؟ وعود وابنة العود ... يا ليلة جمعت شملى بها عودى (٤)

وشادن خنث الأعطاف من ترف ... علّقته بدرتمّ فوق أملود (٥)

يجنى فتمحو جناياه محاسنه ... وللجمال شفيع غير مردود

لما سألناه عن خمر بريقته ... يحميه بالبيض من أجفانه السود (٦)

وسالفيه وصدغيه فقال لنا ... هذى المدامة من تلك العناقيد (٧)

وهو يذكر ليلة عيد اجتمع له فيها فتيات حسان والعود يترنم وابنة العود يريد الخمر بنت شجرة العنب وفتاة جميلة ناعمة الأعطاف تعيش فى ترف ونعيم شغف بها وبقدها الرشيق وكأنها بدر فوق غصن ناعم، وكم جنت عليه ومحاسنها تشفع لجناياتها شفاعة لا ترد، ويتمنى لو ارتشف من خمر ريقها ولا يستطيع إذ تحميه سيوف مسلولة من أجفانها السود وعقربى


(١) عرصة الدار: ساحتها.
(٢) ألوى: عطف.
(٣) بغية الرواد ليحيى بن خلدون ص ١٢٤.
(٤) غيد جمع غادة: الفتاة الناعمة.
(٥) شادن: ولد الظبية. خنث: لين وناعم. الأعطاف: الجوانب. بدرتم: بدر كامل. أملود: غصن ناعم لين.
(٦) البيض: السيوف.
(٧) السالف والسالفة: صفحة الجيد وجانبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>