للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدغيها وصفحتى جيدها الجميلتين، ويقول إنهم لما سألوها عن خمر ريقها قالت لهم مدلة إن هذى المدامة من تلك العناقيد. وينشد يحيى بن خلدون للشاعر موشحة محكمة الصنعة مثل مقطوعته السالفة وفيها يقول:

بدر أزراره تبدّت فلكا ... قلبى ملكا

عيناه مع الهوى دمى سفكا ... فيه اشتركا

قد أشبهت المها لحظا فتكا ... والخال حكى

مسكا مستمسكا على سوسان ... غضّ عبق (١)

يهدى كنسيم جنّة الرضوان ... للمنتشق

هو يقول كأنها بدر وأزرارها الفلك ملكت قلبه واشتركت عيناها مع الهوى فى سفك دمه وقد أشبه لحظها الفاتك لحظ البقر الوحشى حسنا وجمالا، وحكى الخال مسكا على سوسان أبيض غضّ عطر، يهدى كنسيم الفردوس الذكىّ للمنتشق. وللشهاب بن الخلوف غزليات كثيرة وهى تشغل فى ديوانه نحو مائة وعشرين صفحة سوى ما يودعه مقدمات مدائحه من غزل رقيق، ومن طريف غزله قوله (٢):

إذا القمرىّ غرّد فى الغصون ... أعان المستهام على الشّجون

وإن ناح الحمام بكيت وجدا ... بمزن سحائب الدّمع الهتون (٣)

وقال الله هل أبصرت صبّا ... حزين القلب مقروح الجفون

تطارحه الصبابة بالتّصابى ... وتسلمه الأمانى للمنون (٤)

ينوح على الديار وساكنيها ... إذا ما النّوق سارت بالظّعون

ويكتم فى حشاه الوجد سرّا ... فتظهره المدامع فى العيون

وهو يقول إن قمرىّ الحمام يترنم فى الغصون بتغاريده يثير الشجون فى قلوب المحبين، وحين ينوح الحمام يبكى وجدا ويذرف الدموع مدرارا. ويدعو لمخاطبه أن يقيه الله من الحب وأوصابه، ويسأله أرأيت مغرما حزين القلب قريح الجفون من كثرة البكاء، يمنيه الشوق أن سيصبى صاحبته، وما يزال يتمنى ذلك حتى الموت. وترحل صاحبته مع أهلها وتسير النوق بالظعون أو الهوادج، ويكتم نار وجده وحبه فى صدره وأحشائه، وتعلن سره دموعه المنهلّة الغزيرة. ونمضى إلى العهد العثمانى وممن نقرأ له غزلا طريفا فيه محمد القوجيلى من مثل قوله (٥):


(١) غض: حديث. عبق: عطر.
(٢) الديوان ص ٣٥٧.
(٣) مزن جمع مزنة: مطرة. الهتون: الغزير.
(٤) الصبابة: الحب والشوق.
(٥) أشعار جزائرية ص ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>