للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحبّ صعب والرقيب أعانه ... والدمع باح بذا الهوى وأبانه

والحبّ يستدعى القلوب إلى الهوى ... فتجيبه منقادة ولهانه

وبجسمى المضنى فتاة غازلت ... قلب الكئيب بأعين فتّانه

خرجت مع الأتراب بين أزاهر ... فكأنها بدر تكلّل بانه (١)

وهو يقول إن الحب صعب والرقيب يعين جذوته اشتعالا، وهو لا يخفى فالدمع دائما يبوح به ويعلنه إعلانا، ويذكر أن الحب يستدعى القلوب إلى العشق فتلبيه خاضعة ولهانة وقد غازلته فتاة جميلة أضنته وشغفته حبا بسحر عيونها حين رآها مع أترابها الفاتنات وكأنما وجهها بدر يتوّج قامتها الرشيقة. ولسعيد المنداسى معاصره قصيدة نبوية يستهلها بغزل ويطيل فيه طولا شديدا. وهى منسوبة فى كتاب تعريف الخلف برجال السلف لمحمد بن عبد الرحمن الحوضى وبالمثل فى تاريخ الجزائر الثقافى والغالب أنها للمنداسى لوجودها فى ديوانه، وفيها يقول (٢):

أرذاذ المزن من عينى نزل ... أم دموع الشوق إذ رقّ الغزل (٣)

أبعينى ديمة وكّافة ... أم شعيب للنّوى منها انبزل (٤)

دع-عذولى-اللوم إنّي شائق ... رقّ طبعى حين صنعى فى الأزل (٥)

ما الهوى إلا عذاب للفتى ... أو يخفى إن بقلب المرء حلّ

لا تلمنى دون علم-عاذلى- ... فبسمعى صمم عمن عذل

كم دموع من عيونى انهمرت ... لعيون من عذاب لا تملّ

مذ دعانى البين والدمع على ... صحن خدّى وابل يهمى وطلّ

ويستمر هذا الغزل إلى نحو ستين بيتا كلها بهذه الموسيقى العذبة وهذه اللغة المنتخبة الصافية، والشاعر يتساءل عن الدموع المنهمرة من عينيه أهى قطرات سحاب هاطل أم دموع شوقه تتقاطر متوالية، وهل حقا بعينه سحابة سائلة أو مسيل للنوى انشقّ، ويقول لعاذله لا تلمنى فإنى رقيق الطبع منذ صنعى فى الأزل، وهل الهوى والحب إلا ألم للفتى وعذاب متصل إن حل بقلب لا يخفى، فلا تكرر علىّ لومك دون علم بحقيقة الحب، فبأذنى وقر لا أسمعك، وكأنما تخاطب حجرا أصم، وكم أسراب دموع سالت من عيونى وصاحبتى لا تمل هذا


(١) البانة: مفرد البان وهو شجر لين القوام كالصفصاف تشبه به الجميلات فى الطول واللين.
(٢) الديوان الشعبى للمنداسى نشر محمد نجوشه ص ٨٣. وديوانه الفصيح تحقيق رابح بونار ص ٣١.
(٣) رذاذ: قطرات.
(٤) ديمة: مطر. وكافة: سائلة. شعيب: مسيل. انبزل: انشق.
(٥) الأزل: القدم، أول الزمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>