للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسابع إمام من أئمة التصوف الأندلسيين المتفلسفين إلا نزل الجزائر والبلاد المغربية واستمعوا أشعاره. وهو ما جعل كثيرين من الجزائريين منذ القرن السابع الهجرى ينظمون أشعارا صوفية أو تنزع نحو التصوف كثيرا، وكانوا هم أنفسهم يشعرون بهذه الصلة إذ يترجم الغبرينى فى عنوان الدراية لكل من ذكرتهم من أئمة التصوف الأندلسيين ما عدا الشوذى نزيل تلمسان وقد كتب عنه يحيى بن خلدون فى تعداد من أنجبته تلمسان أو استقر بها من العلماء والصالحين. وطبيعى أن يكون أكثر المتأثرين بهؤلاء الأئمة من أهل بجاية التى نزل بها أبو مدين فى القرن السادس ونزلتها بعده كثرة من هؤلاء الأئمة. ونبدأ بعلى بن أحمد الحرالى المتوفى سنة ٦٣٨ هـ‍/١٢٤١ م وفيه يقول الغيرينى: «العالم المطلق الزاهد الورع، ممن جمع العلم والعمل، أما علمه فإنه قد جمع فنون العلم بجملتها، واستولى على كليتها: أما علم الأصول فأصول الدين وأصول الفقه وأما معقولات الحكماء فهو أعلم الناس بالمنطق، وله فيه تصنيف سماه بالمعقولات الأول، وأما علم الطبيعيات والإلهيات فكان أعلم الناس بها، وكنا نقرأ عليه كتاب النجاة لابن سينا فيقرّره، ثم يوهنه، وله تفسير على كتاب الله تعالى، تكلم عليه لفظة لفظة وحرفا حرفا. وله فى التحقيق أو التصوف (١):

ما لنا منا سوى الحال العدم ... ولبارينا وجود وقدم (٢)

نحن بنيان بنته حكمة ... وخليق بالبنا أن ينهدم

أشرقت أنفسنا من نوره ... فوجود الكل عن فيض الكرم

فترقّ النفس عن عالمها ... باختباء ليس تدنيه الهمم

ليس يدرى من أنا إلا أنا ... ها هنا الفهم عن العقل انبهم

كلما رمت بذاتى وصلة ... صار لى العقل مع العلم جلم (٣)

يقطعانى بخيالات الفنا ... عن وجود لم يقيد بعدم

وهو يقول ما لنا إلا العدم منه جئنا وإليه نمضى، ولبارينا وجود أزلى وقدم سرمدى، وهل نحن إلا بنيان، بنته حكمة عليا، وكل بنيان مصيره أن ينهدم، وها هى أنفسنا قد أشرقت من نور رب العزة، وهل وجودنا إلا بفيض كرمه، وإن النفس لترقى يوما عن عالمها الأرضى باختباء ما بعده اختباء، وليس أحد سواى يدرى حقيقتى حتى ليغمض الفهم وتحار العقول، وكلما رمت وصلة بذاتى تصلنى بربى وقف العقل مع العلم فى طريقى يمزقانى بخيالات الفناء دون وجودى المأمول مع ربى الذى لم يقيد بفناء ولا بعدم. وكان يعاصره أبو العيش الخزرجى محمد بن أبى زيد المتصوف التلمسانى وسنخصه بترجمة. ومن تلامذة الحرالى أبو زكريا


(١) عنوان الدراية ص ١٥٥.
(٢) بارينا: خالقنا.
(٣) الجلم: المقص يقص به الصوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>