للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحيى بن زكريا المتوفى سنة ٦٧٧ هـ‍/١٢٧٨ م وما زال به الحرالى حتى ظهر له بعض التحقيق، واعتمد-كما يقول الغبرينى-جادة الطريق، وأنشده أبو زكريا-فى معنى ما ظهر له وبيّن له الحاق فيما لم يظهر له-هذه الأبيات (١):

جلت لك ليلى من مثنىّ نقابها ... طريقا وأبدت لمعة من جمالها (٢)

فطيت بها عيشا وتهت لذاذة ... وفيّأك الإلماع برد ظلالها (٣)

فكيف ترى ليلى إذا هى أسفرت ... ضحاء وأبدت وارفا من دلالها

وكيف بها إن لم يغب عنك شخصها ... ولم تخل وقتا من منال وصالها

وكيف يكون الأمر إن أنت كنتها ... وكانتك تحقيقا فحلت لحالها

وهو يكنى عن الذات الإلهية باسم ليلى، ويقول إنها كشفت قليلا من مثنى نقابها وأبدت لمعة من جمالها فطاب بها عيشا وتاه لذة وكأنما أظله الإلماع بجمالها برد ظلالها فكيف إذا أسفرت ضحى وأبدت ناضرا من دلالها ولم يغب عنا شخصها ومنال وصالها، واتحدت بها وأصبحت كأننى هى وتبدلت حالى. ويدون ريب تصوف أستاذه الحرالى أروع من تصوفه، إذ تغيب فيه المادة والحس، ولا تصبح الذات العلية ليلى ولا غير ليلى ممن يهيم بهن الشعراء ويتخذهن بعض المتصوفة رمزا للذات الربانية. وكان يعاصر يحيى بن زكريا فى بجاية عبد الحق بن ربيع العالم المحقق الصوفى المجتهد المتوفى سنة ٦٧٥ هـ‍/١٢٨٥ م وكان فقيها وعالما بأصول الدين وأصول الفقه والمنطق، وله قصيدة صوفية طويلة أعجب بها أستاذه الحرالى وانتقى منها طائفة من أبياتها من مثل قوله (٤):

سفرت على وجه الجميل فأسفرا ... وبدا هلال الحسن منها مقمرا

ودنت فكاشفت القلوب بسرّها ... وسقت شراب الأنس منها كوثرا

ورأيتها فى كلّ شئ أبصرت ... عيناى حتى عدت كلىّ مبصرا

وسمعت نطق الناطقين فكلّهم ... بالحمد والتّسبيح عنها أخبرا

وبها فنيت عن الفناء وغصت فى ... ماء الحياة مسرمدا ومدهرا

إفصاح قولى لا يفى بمواجدى ... وبيانه لا يستقلّ بما جرى

لو كان سرّ الله يكشف لم يكن ... سرّا ولكن لم يكن ليذكرا

وهو يقول إن الذات العلية سفرت وأشرقت فأشرقت الدنيا وبدا هلال الحسن منها كأنه البدر فى تمه واكتماله، ودنت فعرفت القلوب سرها وسقتها كوثرا من شراب الأنس. وأحسّ كأنه يراها فى كل شئ من حوله (فكرة الحلول التى يرددها بعض متفلسفة الصوفية) وكأن


(١) عنوان الدراية ص ١٠٣.
(٢) مثنى: منعطف.
(٣) فيأك: أظلك.
(٤) عنوان الدراية ص ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>