للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير واحد ممن ترجموا له. وشعره الصوفى والنبوى كثير ويموج الأول بالدعوة إلى المحبة الربانية من مثل قوله:

أبعد الأربعين تروم هزلا ... وهل بعد العشيّة من عرار

فخلّ حظوظ نفسك واله عنها ... وعن ذكر المنازل والديار

فما الدّنيا وزخرفها بشئ ... وما أيّامها إلا عوارى

فتب واخلع عذارك فى هوى من ... له دار النعيم ودار نار (١)

جمال الله أكمل كلّ حسن ... فلله الكمال ولا ممارى

وذكر الله مرهم كلّ جرح ... وأنقع من زلال للأوار (٢)

ولا موجود إلا الله حقّا ... فدع عنك التعلق بالشّنار (٣)

وهو يقول لصاحبه أتروم هزلا بعد سن الأربعين، والشطر الثانى شطر بيت للصّمّة القشيرى، والعرار نرجس برى، يقول الصمة لصاحبه والإبل تسرع بهم إنه لن يتمتع بعد العشية بعرار فقد فات وقته، كما فات وقت الهزل بعد الأربعين كما يقول التازى، ويقول دع ما أنت فيه من غزل وتعلق بجمال المرأة، فالدنيا ليست باقية، وتعلق بمن لديه دار النعيم ودار الجحيم، فجماله أعظم وأكمل من كل جمال، وإن ذكره لشفاء لكل جرح، وزلال بارد لكل عطش متقد، إنه لا موجود سواه، فدع عنك التعلق بما تعاب به، ويعد قبيحا منك أى قبح. وله:

حسامى ومنهاجى القويم وشرعتى ... ومنجاى فى الدّارين من كل فتنة

محبّة ربّ العالمين وذكره ... على كلّ أحيانى بقلبى ومهجتى

وأفضل أعمال الفتى ذكر ربّه ... فكن ذاكرا يذكرك بارى البريّة

وما من حسام للمريدين غيره ... وكم حسموا ظهرا لزار وباهت (٤)

وكم بدّدوا شملا لذى جرأة وكم ... أبادوا عدوّا مسّهم بمضرّة

وكم دافع الله الكريم بذكرهم ... عن الخلق من مكروهة ومبيرة (٥)

وأفضل ذكر دعوة الحىّ فلتكن ... بها لهجا فى كل وقت وحالة

فكثرة ذكر الشئ آية حبّه ... وحسب الفتى تشريفه بالمحبّة

هو يقول إن شجاعتى ومنهاجى القويم فى الحياة وشريعتى ومنجاى فى الدارين من كل


(١) خلع العذار: أراد به الشاعر الانهماك فى الحب.
(٢) الأوار: حرارة العطش.
(٣) الشنار: العيب والقبيح والعار.
(٤) زار: عائب. باهت: مندهش.
(٥) مبيرة: فاسدة، مهلكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>