للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها أحد إلا النبى العربى الهاشمى العظيم. ويذكر لنا يحيى بن خلدون فى الجزء الثانى من كتابه بغية الرواد مولدية له ألقاها بين يدى أبى حمو موسى سنة ٧٧٨ وفيها يقول مادحا الرسول الكريم:

سيّد العالمين دنيا وأخرى ... أشرف الخلق فى العلا والسماح

صفوة الخلق أرفع الرّسل قدرا ... وسراج الهدى وشمس الفلاح

من رقى فى السّماء سبعا طباقا ... ورأى آى ربّه فى اتضاح (١)

ودنا منه قاب قوسين قربا ... ظافرا فى العلا بكل اقتراح

من يجير الورى غدا يوم يجزى ... كلّ عاص وطائع باجتراح (٢)

من إلى حوضه وظلّ لواه ... يلجأ الناس بين ظام وضاح (٣)

ويحيى بن خلدون يقول إن الرسول سيد العالمين طرا دنيا وأخرى، وأشرف الخلق وصفوتهم وأرفع الرسل قدرا ومنزلة عند ربه، وسراج الهدى وشمس الفلاح، من منحه الله معجزة المعراج الكبرى، فصعد به سبع سماوات طبقة بعد طبقة و {(لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)} كما جاء فى سورة النجم ودنا منه أى من جبريل {(قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)} أى قدر ذراعين تقريبا ظافرا من ربه بكل ما توسل به إليه، منزلة لم يحظ بها رسول قبله. وحسبه من محبة الله له أنه سيكون المجير لا للطائعين فحسب بل أيضا للعصاة يوم الفزع الأكبر: يوم الحشر الموعود، وسيقف على حوضه ويمتد عليه لواء معلم ويسقى منه أمته يوم القيامة. وعلى عادة أصحاب المولديات التى تلقى فى الاحتفالات الكبرى بليلة المولد النبوى يستطرد يحيى بن خلدون فى مولديته-كما استطرد الثغرى أيضا فى مولديته-لمديح أبى حمو موسى. وعادة يتقدم المديح النبوى فى المولدية نسيب يكتظ بالوجد والصبابة وأحيانا يمزج ببعض الوعظ.

وكانت المدائح النبوية لا تزال تنظم بجوار هذه المولديات، واشتهر بالنظم فيها غير شاعر مثل عبد الله البسكرى الصوفى معاصر يحيى بن خلدون، فهو من شعراء النصف الثانى من القرن الثامن الهجرى، وله فى مديح المدينة قوله (٤):

دار الحبيب أحقّ أن تهواها ... وتحنّ من طرب إلى ذكراها

وعلى الجفون متى هممت بزورة ... يا بن الكرام عليك أن تغشاها

فلأنت أنت إذا حللت بطيبة ... وظللت ترتع فى ظلال رباها (٥)

معنى الجمال منى الخواطر والتى ... سلبت عقول العاشقين حلاها


(١) رقى: صعد. طباقا: طبقة فوق طبقة.
(٢) اجتراح: اكتساب السيئات والحسنات.
(٣) ظام: فى أشد العطس. ضاح: أصابته حرارة الشمس.
(٤) تعريف الخلف ٢/ ٢٤٠.
(٥) طيبة: المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>