للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تحسب المسك الذّكىّ كتربها ... هيهات! أين المسك من ريّاها (١)؟ !

طابت فإن تبغ التطيّب يا فتى ... فأدم على الساعات لثم ثراها

والبسكرى يقول إن دار الحبيب أحق دار بأن تهواها ويملؤك الحنين شوقا إلى ذكراها ومتى هممت بزيارة أصبح واجبا عليك أن تغشى تلك الدار وتكتحل جفونك بمرآها وما أعظمك إذا حللت بها وتنقلت فيها، إنها معنى الجمال وبها جميع منى الخواطر، وطالما سلبت حلاها عقول عاشقيها الهائمين بها وجدا وصبابة. وإن ترابها ليفوق المسك العاطر وهيهات؟ أين المسك من شذاها الطيب، لقد طابت فإن تبغ التطيب والتعطر فأدم تقبيل ثراها الذكى العطر.

وتلقانا شروح كثيرة لبردة البوصيرى فى المديح النبوى، من ذلك شرح لسعيد (٢) العقبانى المتوفى سنة ٨١١ للهجرة وثلاثة (٣) شروح لابن مرزوق الحفيد أكبر وأوسط وأصغر، وسمى الأكبر إظهار صدق المودة فى شرح البردة، وسمى الأصغر الاستيعاب لما فى البردة من البيان والإعراب، وشرح قصيدة الشقراطسى التونسى النبوية بشرح سماه المفاتيح القرطاسية فى شرح الشقراطسية. ونلتقى بالشهاب بن الخلوف بأخرة من القرن التاسع الهجرى، وله ديوان جميعه مديح نبوى، ولم يتح لى أن أراه، غير أن ديوانه الكبير المنشور بتونس به مجموعة من المدائح النبوية، ونذكر منها توسلا بديعا بالرسول كى يغفر الله له ذنوبه، وفيه يقول (٤):

يا أرحم الراحمين ارحم وجد كرما ... فأنت أنت أمان الخائف الوجل

واغفر بطه ذنوبا ليس يغفرها ... إلاّك يا غافر الأوزار والخطل (٥)

ونجّنى واعف عنى وأتنى منحا ... تنيلنى الفوز فى حلّ ومرتحل

وصلّ ربّ على المختار من مضر ... خير النبيين والأملاك والرّسل

روح العوالم سرّ الكون أجمعه ... إكسير كنز المعالى علّة العلل (٦)

عليه صلّى إله العرش ما اتضحت ... آيات شمس الضحى فى دارة الحمل (٧)

وآله الغرّ والأصحاب ما خطرت ... معاطف البان فى أثوابها الخضل (٨)

وهو يدعو ربه أن يجود عليه بالرحمة، فإنه أمان الخائف الفزع، ويتوسل إليه بالرسول أن يغفر ذنوبه وآثامه، وهل يغفرها سواه؟ إنه الرحيم الغفار، ويسأل رب العزة النجاة والفوز مقيما وراحلا، كما يسأله أن يصلى على رسوله العربى خير النبيين والملائكة والرسل، ويقول إنه روح الوجود وسر الكون، وإكسير المعالى الذى يرفعها إلى الذرى وعلة العلل فى الوجود


(١) ريّاها: رائحتها الذكية الطيبة.
(٢) البستان ص ١٠٦.
(٣) البستان ص ٢١٠.
(٤) الديوان ص ٦٦.
(٥) الأوزار: الآثام.
(٦) الإكسير: مادة تحول المعدن ذهبا.
(٧) الدارة: الهالة. الحمل: برج الشهر الأول فى الربيع.
(٨) الخضل: الخضراء الندية.

<<  <  ج: ص:  >  >>