للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعه. وهذا البيت يجمع كل ما قاله البوصيرى وغيره عن الحقيقة المحمدية وأنها سر الكون وعلته، ومنها يستمد نوره وضياءه. ويقول صلّى عليه إله العرش طالما اتضحت شمس الضحى فى أزمنة الربيع أى طوال الدهر، وصلّى أيضا على آله الأشراف وأصحابه ما ظلت أغصان البان ريّانة ندية أى على مر الزمن.

ونمضى إلى العهد العثمانى، وفيه يكثر المديح النبوى كثرة مفرطة حتى لينظم فيه كل شاعر مدحة أو أكثر، وقد ينظم فيه ديوانا مثل عبد الكريم الفكون المتوفى سنة ١٠٧٣ هـ‍/١٦٦٢ م إذ له ديوان فى المديح النبوى وقد رتبه على حروف المعجم، وجعل مبدأ كل مجموعة من أبيات كل قافية حرفا من حروف: «اللهم اشفنى بجاه محمد آمين» وجملة حروف هذه الصيغة خمسة وعشرون حرفا، فى كل حرف مثلها أبياتا ففى قافية الهمزة خمسة وعشرون بيتا، وهكذا إلى آخر الحروف، وانتهى الفكون من نظم الديوان سنة ١٠٣١ هـ‍/١٦٢١ م وكان قد أصيب بشلل فى هذه السنة ألزمه الفراش، فشفاه الله منه، وله قصائد مختلفة فى التوسل إلى ربه. وكان يعاصره سعيد المنداسى التلمسانى الذى ترجمنا له فى شعراء الهجاء وكان يجمع بين الشعر الشعبى والشعر الفصيح، ونظم كثيرا من الشعر الأول، واشتهر فيه بقصيدة نبوية فى نحو ثلاثمائة بيت سماها «العقيقة» وشاعت بين أهل الجزائر شيوعا كبيرا، ولأبى راس عليها شرح سماه الدرة الأنيقة، ويقال له عليها سبعة شروح، ولكل شرح عنوانه الخاص. وفى الديوان الذى نشره له الأستاذ رابح بونار أربع قصائد نبوية، وقد أنشدنا قطعة من غزل أولاها فى باب الغزل، ومن قوله فى مديحها النبوى (١)

هل رأيتم أو سمعتم حسنا ... فى الورى من حسنه الحسن اكتمل

أحمد المبعوث فينا رحمة ... خير من قام بحقّ وكفل

آية الله أمين صادق ... وحبيب الله برّ منتضل (٢)

قد تحلّى-إذ تجلّى-بدره ... بالبها من ربّه عزّ وجلّ

فامتطى متن جواد للعلا ... خافق كالبرق للوصل رفل (٣)

أمّ رسل الله ليلا وارتقى ... للمنى يطوى من السّاح الكلل (٤)

آدم المبرور صلّى خلفه ... وأولو العزم مصابيح الملل

قد رأى من ربّه مالا رأى ... قبله طرف نبىّ مرتسل

والمنداسى يقول: هل رأيتم أو سمعتم حسنا فى الورى، كل حسن يستمد من أشعته النورانية؟ إنه أحمد المبعوث رحمة هدية للعالمين، أعظم من رعى الحقوق وأداها، آية الله الأمين


(١) ديوان سعيد المنداسى تحقيق الأستاذ رابح بونار ص ٤٠.
(٢) منتضل: شجاع.
(٣) رفل: زها وتبختر فى سيره
(٤) الساح: يريد السموات. الكلل: يريد الطباق.

<<  <  ج: ص:  >  >>