للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصادق وحبيبه البر المجاهد فى سبيله، وقد حفّه الله بهالة من البهاء، فسخّر البراق له يعرج به إلى السموات السبع، وأمّ الرسل ليلا تكريما له. ويفيض سعيد المنداسى فى بيان معجزاته، ثم يعود إلى معجزة المعراج ويقول إن الله خص به رسولنا من دون الرسل جميعا تكريما لا يماثله تكريم. ويتحدث المنداسى عن مولد الرسول فى مدحة نبوية ثانية قائلا (١):

طه الأمين الذى ترجى شفاعته ... يوم التلاقى وطىّ الخلق منشور (٢)

من سبق الرّسل عند الله فى أزل ... فضلا وللخلق بعد الرسل تأخير

وانقضّ إيوان كسرى عند مولده ... وغاب من نار وسط الفرس تسعير (٣)

وجلّل الأفق منه النور فى سحر ... كأنّ فى الفجر هدى الصبح منحور (٤)

وفى السماء خيول الشّهب راكضة ... كأنها فى وغى الجو الزنابير (٥)

وفى المنازل تحت العرش إذ علمت ... بمولد المصطفى الولدان والحور

تزينت وازدهت وساغ مشربها ... وطرّبتها من الطير الزمامير (٦)

حول الخيام الغصون اللّدن ساجدة ... وللملائك تهليل وتكبير

وهو يقول إن طه الرسول الأمين الذى ترجى شفاعته يوم الحشر الأكبر يوم كل إنسان يرى عمله المطوى منشورا تحت بصره. قد سبق الرسل فى الخلق والقدم الأزلى كما أن الرسل سابقون فيه بقية الخلق. ولقد حدثت معجزات شتى يوم مولده، فقد انقض إيوان كسرى وانطفأت نار الفرس المجوس بعد أن ظلت مشتعلة متوهجة قرونا، وعم الأفق منه نور فى السحر، حتى ظن أن هدى الإبل وغيرها إلى الكعبة ذبح فى فجر هذا النور استبشارا به. أما فى السماء فإن الشهب-ملأتها-زنابير. ويقول إن الولدان والحور العين فرحت بمولد الرسول وتزينت وامتلأت زهوا وسرورا وغنتها الطيور بمختلف الأغانى، وحتى الغصون اللينة الناعمة حول الخيام سجدت لربها شكرا. وهللت الملائكة وكبرت تكبيرا.

وينقل أبو القاسم الحفناوى فى كتابه تعريف الخلف عن أحمد (٧) بن عمار بترجمته أن مجلّى حلبة المولديات ومقدّم الجماعة فيها وإمام الصناعة وركاب صعابها ومذللها عاشق الجناب المحمدى ومادحه بلا معارض، ومثلّث طريقتى البوصيرى وابن الفارض، الشيخ أبو العباس أحمد المانجلاتى، أتحفه الله بمنفهق رضوانه، وألحفه مطارف (حلل) التكريم فى


(١) ديوان سعيد المنداسى التلمسانى ص ٦٩.
(٢) طى الخلق: الكتاب الذى كان مطويا عن الخلق.
(٣) تسعير: اشتعال وتوهج.
(٤) الهدى: ما يضحى به من الإبل وغيرها نسكا.
(٥) الزنابير جمع زنبور: حشرة تلسع.
(٦) الزمامير: يريد أصوات الطير وألحانها.
(٧) انظر تعريف الخلف ٢/ ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>