للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً}. فاتقوا الله إخوانى واحذروا مخالفة آثار أئمتكم فى القليل والجليل. . وعليكم بالحذر من الانهماك فى الشر والخلاف بعد الزجر عنه فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وغضب منه وقال: أمنهمكون أنتم فيها (أى الدنيا) بعد ما جئتكم بها (أى الرسالة) بيضاء نقية حنيفية سمحة سهلة».

وهو يوصى بالتقوى واتباع أهل الدعوة من أئمة الإباضية، فإن الاتباع كما يقول أولى من الابتداع، ولغته رصينة قوية، يحتج بالقرآن والحديث النبوى ملوحا بهما من بعيد على صحة معتقده. ويذكر صاحب الأزهار الرياضية عظة عامة للإمام أبى اليقظان محمد بن أفلح بن عبد الوهاب (٢٤١ - ٢٨١ هـ‍) وجّهها إلى جميع رعاياه فى تاهرت وجبل نفوسة، وفيها يقول (١):

«إن أفضل ما تتواصى به العباد ويتحاضّون عليه تقوى الله ولزوم طاعته، والزّجر عن معصيته، والترغيب فيما يورث الثواب من القول الطيب والعمل الصالح. وعليكم معاشر المسلمين بالتهيؤ للقدوم على الله والتأهب والاستعداد ليوم تشخص فيه الأبصار وتتغير فيه الألوان، ويشيب فيه الولدان، و {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ}. واعلموا-رحمكم الله-أن أهل العلم القائمين بهذه الدعوة قد انقرضوا وقلّت الخلوف منهم، فرحم الله امرءا مسلما احتسب نفسه، وأرصدها لله فى طلب العلم والنقض على من ضادّ الله وعدل عن منهاج رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضادّ المحققين من عباده، حتى تكون كلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم هى العليا والباطل زهوقا. وعليكم معاشر المسلمين اتباع الماضين من أسلافكم والمتقدمين من أئمتكم الصالحين من أهل دعوتكم، فاقتفوا آثارهم، واهتدوا بهداهم، واحذروا الزيغ عن طريقهم والميل عن مناهجم».

وواضح أن الإمام أبا اليقظان محمد بن أفلح يدعو فى عظته صراحة أهل دعوته من الإباضية أن يرصدوا انفسهم ويحتسبوها للدفاع عنها، ضد خصومها الذين عدلوا فى رأيه عن منهاج رسول الله ومنهاج أهل الحق من أئمتهم، ويدعوهم إلى اتباع ما تواضع عليه هؤلاء الأئمة من مبادئ آمنوا بها مخالفين الجماعة. ولابنه أبى حاتم يوسف (٢٨١ - ٢٩٤ هـ‍) عظة بديعة كان يخطب بها الخوارج الإباضية فى عهده أيام الجمعة وفيها يقول (٢):


(١) الأزهار الرياضية للبارونى ص ٢٤٠.
(٢) النشاط الثقافى فى ليبيا للدكتور أحمد مختار عمر ص ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>