للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقم فى الجزائر دولة حتى إذا أصبحنا فى أواخر القرن الرابع الهجرى وتولى حماد بن بلكين شأن المغرب الأوسط عمل على الاستقلال وأسس دولة بنى حماد فى قلعة بجاية (٤٠٦ - ٥٤٧) وظلت يرثها الأبناء عن الآباء نحو قرن ونصف، وكان آخر حكامها يحيى بن العزيز (٥١٨ - ٥٤٧ هـ‍) ومنه استولى عبد المؤمن على دولته وبلاده وضمها مع الجزائر وتونس وطرابلس إلى دولته. وكانت هذه الدولة تتخذ دواوين للإشراف على شئون الدولة، وكان لها ديوان إنشاء نبغ فيه بعض الكتاب، نذكر منهم أبا عبد الله محمدا الكاتب المعروف بابن دفرير، ذكره صاحب الخريدة، وقال عنه: أحد كتاب الدولة الحمادية المتصرفين فى الكتابة السلطانية، وذكر له رسالة كتبها عن سلطانها يحيى بن العزيز الحمادى وقد فرّ من مدينة بجاية أمام عسكر عبد المؤمن يستنجد فيها ببعض أمراء العرب القريبين من دولته، وفيها يقول (١):

«كتابنا ونحن نحمد الله على ما شاء وسرّ، رضا وتسليما للقدر، وتعويلا على جزائه الذى يجزى به من شكر، ونصلّى على النبى محمد خير البشر، وعلى آله وصحبه ما لاح نجم بسحر، وبعد فإنه لما أراد الله أن يقع ما وقع، لقبح آثار من خان فى دولتنا وضيّع، استفز أهل موالاتنا الشنآن (٢)، وأغرى من اصطنعناه وأنعمنا عليه الكفران (٣)، فأتوا من حيث لا يحذرون، ورموا من حيث لا يبصرون، فكنّا فى الاستعانة بهم والتعويل عليهم كمن يستشفى من داء بداء، ويفرّ من صلّ (٤) خبيث إلى حيّة صمّاء، حتى بغت مكرهم، وأعجل عن التلافى أمرهم، وردّ وبال أمرهم إليهم. فعند ذلك اعتزلنا محلة الفتنة، وملنا إلى مظنّة الأمنة، وبعثنا فى أحياء هلال نستنجد منهم أهل النجدة، ونستنفر من كنا نراه للمهم عدّة، وأنتم فى هذا الأمر أول من يلهم الخاطر، وتثنى عليه الخناصر».

وابن دفرير فى رسالته لا يهمل الأسجاع لا قليلا ولا كثيرا، إذ يوفر لها ما يستطيع من السجع وجرس الكلام لا بين عبارة وتاليتها فحسب، بل بين عبارة وتواليها من العبارات، حتى يلذ الأسماع حين تصغى إليه والألسنة حين تنطق به، مع العناية باصطفاء الألفاظ والملاءمة بين الكلمات. وذكر العماد فى الخريدة من كتاب هذه الدولة الحمادية أبا القاسم عبد الرحمن الكاتب المعروف بالقالمى الذى اتخذه عبد المؤمن سنة ٥٤٧ كاتبا له، وظل يكتب له ولابنه يوسف من بعده إلى أن توفّى وسنخصه بترجمة، وكان يخدمه فى عمله الكتابى عند الموحدين به جايى مثله هو ابن محشرة جعفر بن أحمد فلما توفى كتب مكانه لسلطان الموحدين يوسف ثم لابنه يعقوب حتى وفاته، وسنفرد له ترجمة، وكان يعاصرهما ابن محرز الوهرانى، وسنفرد


(١) الخريدة للعماد الأصبهانى (نشر الدار التونسية) ١/ ١٧٩.
(٢) الشنآن: الحقد والضغينة.
(٣) الكفران: الجحود وإنكار المعروف
(٤) صلّ: أفعى.

<<  <  ج: ص:  >  >>