للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدراية للغبرينى الذى ترجم فيه للعلماء والأدباء ببجاية فى القرن السابع وشطر من القرن السادس يحسّ أن تراجم الكتاب مقسومة بين تراجم بجائية وتراجم أندلسية. وكان البجائيون أخذوا يتأتقون فى كتابتهم الأدبية واندمج ذوقهم فى الذوق الأندلسى الأنيق وأصبحنا بإزاء كتابة أنيقة عامة فى الرسائل الشخصية والديوانية، وحتى فى كتب التراجم كما نجد فى صدر كثير من تراجم الغبرينى فى كتابه عنوان الدراية، وفى التعريف بملوك الدولة الزيانية عند يحيى بن خلدون ومحمد بن عبد الله التنسى.

فإذا قلنا إن الرسائل الشخصية أخذت تطبع فى الجزائر-منذ القرن السادس الهجرى- بطوابع السجع، بل لقد كانت تضيف إلى ذلك حلى من المحسنات البديعية لم نكن مبالغين. ونمضى إلى العهد العثمانى وتظل للرسائل الشخصية هذه السمات مع ما يداخلها من التكلف، وكان أحمد المقّرى صاحب نفح الطيب راسل عبد الكريم الفكّون شيخ الإسلام بقسنطينة، وظل حكام الجزائر العثمانيون يعينونه أميرا للحج عن بلده والجزائر عامة، وكان المقرى أرسل إليه بمنظومة فى علم الكلام يتمنى أن يتلطف بصنع شرح لها، فردّ عليه برسالة أثبتها المقرى فى نفح الطيب قائلا فى ديباجتها إنها كتاب وافاه من عالم قسنطينة وصالحها وكبيرها وفقيهها، سلالة العلماء والأكابر، وارث المجد كابرا عن كابر، المؤلف العلامة الشيخ عبد الكريم الفكون حفظه الله. وبعد البسملة والصلاة على الرسول الكريم يقول الفكون (١):

«إنّي أحمد الله إليك وأصلى على نبيه سيدنا محمد، ولا أريد إلا صالح الدعاء وطلبه منكم، فإنى أحوج الناس إليه، وأشدهم فى ظنى إلحاحا عليه، لما تحققت من أحوال نفسى الأمّارة، واستبطنت من دخيلاتها المثابرة على حب الدنيا الغرّارة، كأنما عميت عن الأهوال التى أشابت رءوس الأطفال، وقطعت أعناق كمّل الرجال، فتراها فى لجج هواها خائضة، وفى ميدان شهوائها راكضة، طغت فى غيّها وما لانت، وجمحت فما انقادت ولا استقامت. . . والله أسأل حسن الألطاف، والسّتر عما ارتكبناه من التعدى والإسراف، وأن يجعلنا من أهل الحمى العظيم، وممن يحشر تحت لواء خلاصته الكريم: سندنا سيدنا ومولانا وشفيعنا النبى الرءوف الرحيم. . وقد اتصل بيدى جوابكم، أطال الله فى العلم بقاءكم، فرأيت من عذوبة ألفاظكم وبلاغة خطابكم، ما يذهل من العلماء فحولها، وينيلها لدى الجثوّ (٢) لسماعه سؤلها ومأمولها. . وقد ذيّلتموه بأبيات أنا أقل من أن أوصف بمثلها، على أنى غير قائم بفرضها ونفلها، فالله تعالى يمدكم بمعونته، ويجعلكم من أهل مناجاته بحضرته. . وظنّنا لكم أن نجعل على منظومتكم الكلامية يعنى: «إضاءة الدجنّة» تقييدا


(١) نفح الطيب ٣/ ٢٣٨ وانظر تعريف الخلف ٢/ ١٣٢.
(٢) الجثو: الجلوس على الركبتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>