«لو نفث ببلدكم مصدور (مريض بصدره) لأسمع ببلدنا من فى القبور فضلا عمن فى الدور والقصور». ثم أورد عليه إشكالا ربما كان هو السبب المهم فى الرسالة، ذلك أن ابن عبد ربه الأندلسى ألف كتابا أدبيا فى مجلدات سماه العقد الفريد، وهو مطبوع بمصر مرارا فى أربع مجلدات كبار، وفيه يعرض الثقافة الأدبية فى المشرق، ولم يعن فيه بالحديث عن أدباء بلده وشعرائه إلا ما كان من تمثله ببعض شعرهم وذكره للشاعر الأندلسى يحيى الغزال، أما بعد ذلك فالكتاب مشرقى خالص بما فيه من أخبار وشعر ونثر مما جعل الصاحب بن عباد حين اطلع عليه يقول:«هذه بضاعتنا ردّت إلينا». وابن الربيب محق فى اعتراضه على كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه، لأنه لم بعرض فضائل بلده وما أنتج من نثر وكتّاب وشعر وشعراء، غير أن ابن عبد ربه قصد بكتابه العقد إلى ذلك وأن يعرض على مواطنيه الأدب المشرقى. على أن ابن الربيب بالغ، فإن وراء ابن عبد ربه كثيرين من الأندلسيين عنوا بعرض أخبار ولاتهم وحكامهم، نذكر منهم عبد الملك بن حبيب المتوفى سنة ٢٣٨ وفى كتابه تحدث عن تاريخ الأندلس حتى أيام معاصره: عبد الرحمن الأوسط، ولأحمد بن محمد الرازى المتوفى سنة ٣٤٤ للهجرة كتاب أخبار ملوك الأندلس، ولابن القوطية المتوفى سنة ٣٦٧ كتاب تاريخ افتتاح الأندلس يتحدث فيه من الفتح حتى نهاية أيام الأمير عبد الله سنة ٣٠٠ وفى أخبار الفقهاء والقضاة والعلماء من كل صنف تلقانا كتب مثل كتاب الفقهاء لابن عبد البر أحمد بن محمد وتاريخ قضاة قرطبة للخشنى المتوفى سنة ٣٦١ ومن كتب الأطباء والصيادلة طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل المتوفى سنة ٣٧٧ ومن كتب اللغويين كتاب طبقات النحويين واللغويين للزبيدى المتوفى سنة ٣٧٩ ومن كتب العلماء الأندلسيين عامة تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضى المتوفى سنة ٤٠٣. فالأندلسيون لم يقصروا فى حق ملوكهم وعلمائهم كما تبادر إلى ظن ابن الربيب، وسيكثرون بعد زمن ابن الربيب من كتابة المجلدات الضخام فيهم وفى الشعراء كما نعرف مثلا عن المقتبس لأبى حيان والذخيرة لابن بسام.
ولا تسجّل كتب التراجم والأدب فى الحقب التالية رسائل شخصية جزائرية أدبية طريفة من طراز رسالة ابن الربيب، بل تظل مغفلة هذا النوع من الرسائل، ومن المؤكد أنها أخذت تزدان بالسجع منذ ازدانت به الرسائل الديوانية الحمادية، وكان مما عمل على ذلك أن الأندلس أخذت تلقى بطائفة من صفوة كتابها منذ القرن السابع الهجرى إلى بجاية وشقيقاتها من مدن الجزائر، وكان لبجاية منهم الحظ الأوفر، فقد نزلها واستوطنها-على الأقل فترة طويلة- غير كاتب منهم، وقد عرضنا فى غير هذا الموضع لمن نزلها من المتصوفة وكيف كان لهم تأثير كبير فى أهلها وفى شيوع الشعر الصوفى بينهم واستقرار كثير منه فى صدورهم وأفئدتهم. ونلاحظ نفس الملاحظة على من نزلها من كبار الكتاب الأندلسيين واستوطنها إلى آخر حياته أو أقام فيها شطرا كبيرا من حياته ثم رحل عنها إلى تونس، ومن يرجع إلى كتاب عنوان