للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بجزائرى يكتب فى هذا الفن هو الوهرانى المتوفى سنة ٥٧٥ هـ‍ وسنفرد له ترجمة، ويذكر الغبرينى فى كتابه عنوان الدراية طائفة من الأساتذة كانوا يدرسون مقامات الحريرى للطلاب طوال القرن السابع الهجرى مثل عبد الله بن نعيم الحضرمى ويوسف بن يخلف ومحمد بن الحسن بن ميمون القلعى، غير أن أدباء الجزائر قبل العهد العثمانى لم يحاولوا محاكاة الوهرانى فى مقاماته ولا محاكاة كتابها الأصليين من أمثال بديع الزمان الهمذانى والحريرى. أما فى عهد العثمانيين فنجد غير أديب يحاول كتابتها على نحو ما نجد عند أحمد البونى، إذ كتب سنة ١١٠٦ هـ‍/١٦٩٤ م مقامة (١) فى أربع صفحات بعنوان: «إعلام الأخيار بغرائب الوقائع والأخبار» وهى فى بيان علاقة العلماء بالسلطة والشكوى من وشايات أهل العصر، ويستهلها بقوله:

«الحمد لله الذى جعل المصائب وسائل لمغفرة الذنوب، والنوائب فضائل لذوى الأقدار والخطوب، وسلط-سبحانه وتعالى-على الأشراف أرباب الزور والفجور والإسراف. . . وبعد أيها العلماء والفضلاء النبلاء الكملاء فرّغوا أذهانكم وألقوا آذانكم، وتأملوا ما يلقى إليكم من الخبر الغريب، وما يرسله الله تعالى على كل عاقل أريب، فقد ارتفعت الأشرار، واتضعت أرباب المعارف والأسرار، وانقلبت الأعيان، وفشا فى الناس الزور والبهتان، وأهملت أحكام الشريعة، وتصدّى لها كل ذى نفس للشر سريعة. بينما نحن فى عيش ظله وريف، وفى أهنأ لذة بقراءة العلم الشريف، إذ سعى فى تشتيت أحوالنا وقلوبنا، وهتك أستارنا وعيوبنا، من لا يخاف الله ولا يتقيه، فرمى كل صالح وفقيه، بما هو لاقيه، واعتدّ فى ذلك بقوم يظنون أنهم أفاضل، وهم-والله-أوباش أراذل. وما كفاه بثّ ذلك فى كل ميدان. . حتى أوصله لمسامع السلطان، فلم نشعر إلا ومكاتبات واردة علينا من جانب الأمير، بعزل صديقنا الشهير. . من خطة الفتوى، مع أنه ذو علم وتقوى، وتحيرنا من ذلك أشد التحير، وتغيرنا بسببه أعظم التغير».

ومن التجوز تسمية ذلك مقامة إذ لا تقوم على الكدية والشحاذة الأدبية وأقاصيص الأدباء السيارين الذين يجولون فى البلاد متفاصحين بأدبهم، محتالين على الناس حيلا شتى فى أخذ دراهمهم ودنانيرهم، على نحو ما نعرف عند بديع الزمان والحريرى، إنما ذلك أشبه برسالة تتناول موضوعا هو وشاية الناس النمامين لذوى السلطان للوقيعة بينهم وبين بعض العلماء، ولا مقامة، ولا ما يشبه المقامة.

وبعد نحو عشر سنوات أو تزيد قليلا ألف محمد بن ميمون ترجمة لوالى الجزائر محمد بكداش سماها التحفة المرضية فى الدولة البكداشية فى بلاد الجزائر المحمية»، وجعلها فى ستة


(١) انظر فى هذه المقامة تاريخ الجزائر الثقافى ٢/ ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>